2010 المؤتمر الشبابي للحزب. شباب الحزب يرتدون ملابس المسنين في الحزب. بدلات سود قاتمة، وربطات عنق مقتبسة على الأرجح من خزانات الآباء والأجداد على سبيل السلف. الوجوه شابة لكن المشاعر هرمة. النظرات مستكينة لكن الغضب دفين. ضيف المؤتمر الشرفي الذي يتوسط المنصة على المقعد الأكبر ويخطب في الحضور من دون مقاطعة إلا بهدف التصفيق الحاد هو أكبر أعضاء الحزب سناً وتاريخاً. هو يتحدث والشباب يستمعون. هو يعظ وهم يتعظون. هو كبير الحزب وهم صغاره. 2012 المؤتمر الشبابي للحزب. شباب الحزب يرتدون الجينز والكنزات الملونة. السمة المميزة للجميع هي «كوفية الثورة» الشهيرة. الوجوه أكثر نضارة والنظرات فيها الكثير من التحدي، لكنها تعبر عن تفريغ مستمر لشحنات غضب طال اختزانها. لا اثر لضيف الشرف المسن الذي اعتاد توسط المنصة، بل لا أثر للمنصة نفسها. القاعة تدوي بالتصفيق الحاد، لكنه تصفيق ينبع من حماسة الإعجاب بكلمة ثورية هنا أو اعتراض هناك. هم يتحدثون ويستمعون أيضاً. هم لا يعظون بل يتناقشون. هم شباب الحزب، لكن ليس بالضرورة صغاره. ما إن بدأت الأنباء تتواتر عن دعم حزب «الوفد» لمنصور حسن باعتباره المرشح الرئاسي التوافقي المنتظر، حتى لجأ عدد من الحزبيين إلى الاعتصام احتجاجاً! بيان مقتضب لكن محدد صدر منهم معتذرين للشعب المصري عن الأداء السياسي السيئ لإدارة الحزب، والذي لم يحقق آمال المصريين وطموحهم في ما سمّوه «حزب الأمة». مطلب شباب الحزب الواضح بسحب تأييد الحزب للمرشح «التوفقي» نتج منه تحقيق المطلب، حتى وإن كان تحقق المطلب من جانب «كبار» الحزب من دون الإشارة إلى الضغط الشبابي. ضغط شبابي آخر، ولكنه نابع هذه المرة من داخل الجماعة الأشهر «الإخوان المسلمون». فالجماعة القائمة منذ عشرات السنين على مبدأ «السمع والطاعة» لم تدرك بعد أن أبواب الأمل والحرية التي فتحتها ثورة يناير 2011 ستلقي بظلالها على مجريات الأمور في داخلها فهددت بطرد أي شاب يؤيد القيادي السابق في الجماعة والمرشح المحتمل للرئاسة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح من جنّتها. تزايد أعداد شباب الإخوان المؤيدين لأبو الفتوح كشف الكثير من قواعد الجماعة وتركيبتها. شباب كثيرون ممن انتخبوا أعضاء من «حزب الحرية والعدالة» ولا ينتمون الى الجماعة وقفوا عاجزين أمام فهم المواجهة الغريبة بين قيادات الجماعة وحزبها من «الكبار» وشبابها. محمد نور الدين (22 عاماً) لا ينتمي الى حزب سياسي بعينه، لكنه رأى في مرشحي «الحرية والعدالة» في الانتخابات السابقة لمجلسي الشعب والشورى بصيصاً من أمل. لكنه يضرب اليوم كفاً بكف لعدم فهمه سر «عناد» الجماعة مع أبو الفتوح الذي يعتبره «مرشحه المفضل». ما بدا «عناداً» لنور الدين ليس إلا إجراء طبيعياً ومنطقياً لشباب الإخوان المتشبثين بقواعدهم. تصريحات قيادات «الحرية والعدالة» الغاضبة والمؤكدة إحالة الشباب الداعمين لأبو الفتوح على التحقيق قابلها غضب كبير من الشباب المؤيدين لأبو الفتوح سواء أكانوا أعضاء في الجماعة أم مؤيدين أو حتى مجرد محبين، لكن أيضاً رضا آخرين وطاعتهم. وانتشر عدد من هؤلاء «المطيعين» في البرامج الحوارية على شاشات التلفزة يرددون صدى تهديدات الفصل والتحقيق مع أقرانهم المجاهرين بتأييد أبو الفتوح، فيما تبقى فئات وانتماءات الشباب المؤيدة لأبو الفتوح جديرة بالتحليل والتأمل. فهو على رغم سنوات عمره التي تجاوزت ال 60، جذب فئات عدة من الناخبين الشباب، ليس فقط من داخل الجماعة، ولكن من داخل دوائر شبابية ليبرالية عدة، لا سيما تلك التي كانت تنوي تأييد المرشح المفترض محمد البرادعي. في الوقت نفسه، بزغ بعض الأصوات داخل التيارات السلفية الشابة اتسم بالتعاطف «الحذر» مع أبو الفتوح، إلا أن الأصوات الأعلى تتجه نحو مرشحين آخرين ينتمون قلباً وقوالب و «لحية» الى السلفية. وبالطبع يحتل الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل مكانة متقدمة لدى الشباب السلفيين، وإن كانت هناك مطالبات شابة من داخل «حزب النور» بترشيح رئيسه الدكتور عماد عبدالغفور، «لكن كله بأمر الله وقيادات الجبهات السلفية». عباءة الدين جذبت شباباً مصريين تلحفوا إما بالسلفية وإما بالإخوانية، لكنها استقطبت آخرين من البوابة القبطية، وهي بوابة عبرت عن نفسها في شكل واضح في ثورة يناير وما تلاها من أحداث. وكما هي الحال مع جماعة الإخوان المسلمين المبنية على السمع والطاعة، وهو الذي تحداه البعض، سواء بالنزول إلى الشارع في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 أم بتأييد مرشح مثل أبو الفتوح، فإن الشباب القبطي يعيش اجواء مشابهة الى حد بعيد. الأنباء المشيرة إلى اتجاه الكنيسة القبطية لتأييد إما أبو الفتوح أو عمرو موسى أدت إلى موافقة ضمنية من بعض الشباب، ومعارضة من جانب آخرين. هذه المعارضة مبنية إما على أساس الاعتراض على كلا المرشحين، وإما على أساس الشعور بضرورة نبذ شعور الأقباط بأنهم أقلية يجب أن تسعى للحصول على حماية مرشح «توافقي». من جهة أخرى، يتجه شباب الجماعات الليبرالية، والتي تخشى حالياً من أن تعيش وصمة «جماعة الإخوان المسلمين» في عصر النظام السابق وتتحول إلى جماعة ليبرالية محظورة، إلى المرشح «الشاب نسبياً» حمدين صباحي والمعروف بابتسامته ومسيرته الإعلامية والبرلمانية المعارضة للنظام السابق. لكن هناك كذلك المرشح الشاب «بدرجة أكبر» المحامي خالد علي الذي يعتمد في شكل أساسي على دعم الشباب (من غير المنتمين الى التيارات السياسية ذات العباءة الدينية) لدعمه لسببين رئيسين: الأول لرؤاه الحقوقية ومواقفه المتنورة من الحريات، والثاني لصغر سنّه بعدما نعت البعض سباق الرئاسة بأنه أشبه ب «رالي الفراعنة» نظراً الى بلوغ عدد من المرشحين من العمر أرذله! معيار آخر لضلوع الشباب في شكل غير مسبوق في انتخابات الرئاسة – التي كانت تحصيلاً حاصلاً حتى عام واحد مضى - هو اعتماد كل المرشحين على «مغازلة» الشباب في حملاتهم الانتخابية وبرامجهم الدعائية. «حين أصبح رئيساً سيكون نائبي شاباً»، «أنا مع العصيان المدني»، «الشباب هم عماد الدين والوطن»... عبارات وتصريحات يتسابق مرشحو الرئاسة في إطلاقها، سواء مصحوبة بتطبيق شرع الله أم باحترام الحريات والحقوق، وذلك املاً باجتذاب الكتل التصويتية الشبابية المختلفة جنباً إلى جنب مع ضمان رضاهم، أو على الأقل اتقاء لشرّهم العدائي القادر على الاشتعال إلكترونياً. وضمن الحروب المشتعلة إلكترونياً هذه الأيام حرب موجهة ضد نائب رئيس الدعوة السلفية الدكتور ياسر برهامي الذي قال ان اختيار مرشح لدعمه في الرئاسة ليس مسألة الشباب، بل يجب أن يترك لأهل العلم. ولأن «أهل العلم» ليسوا من قاموا بثورة يناير التي كان من أعراضها الجانبية سيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور أصلاً، بل قام بها الشباب المطلوب منهم حالياً التنحي جانباً انتظاراً لأوامر «أهل العلم». وبين انتظار «أهل العلم» ليدلوا بدلوهم حتى يتبعهم الشباب سمعاً وطاعة، أو أخذهم زمام الأمور وتحريكها في الاتجاه الذي يرونه صائباً، حتى وإن كان هذا يعني الخروج على الحزب أو الجماعة، يصنع شباب مصر حالياً رئيسها القادم سواء كان شاباً بحق أم شيباً شب على الإيمان بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.