وكأنها النزعات الأخيرة في حياة شتاء عابر، يأبى أن يذهب من دون أثر وذكرى، يحاول توجيه «سوط أخير» للجلود والأجساد، لسعة وداعٍ لا أكثر. يأبى خروجاً عارياً، فيتخفى هارباً ببطء من وراء ستار؛ اختار «الغبار» خامة لقماشه، حتى لا يعطي «القيظ» فرصة التفرد بالبطولة. ربيع مقبلٌ يدعو للتشاؤم فمطلعه غبار، لا «خَضَار»، وتقلباته لا توحي بنسيم «عليل»، بل بفصلٍ عسير «عليل». وصيفٌ كشّر عن أنيابه يريد سرقة حصة «ربيع» لا يجد موطئ قدم في خانات السنة المناخية، فالزمهرير يقرص خده الأيمن، والسموم يلفح خده الأيسر، وميزان الفصول مرتبك بين صحارى ثلاث. موجة أخرى، وربما أخيرة، باردة تسطو على المنطقة الوسطى خلال اليومين المقبلين، حذارٍ من التساهل معها، تركبها موجة غبار لن تنفك إلا حين دخول موسم الصيف الفعلي بعد شهرين من الآن، كما يقول عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك وعضو المشروع الإسلامي لرصد الأهلة الدكتور خالد الزعاق. على مشهد تلويحات الوداع من كفِّ موسم «الحميمن» الذي اعتاد أن يتقمص دور قابلة تلد الصيف سنوياً في 26 يوماً، يغادر شتاء متقلب ويولد صيف برائحة الغبار. «هجمة البرد الأخيرة» ستؤثر على مناطق الشمال والوسطى والشرقية وأنحاء من الغربية كما يتوقع الزعاق. إنه الفخ السنوي الذي وقع فيه الأجداد والآباء فقالوا عنه: «بياع الخبل عباته»، وسماه أهل البادية «برد العجوز» وسماه الفلاحون «برد الشولة» وأطلق عليه العرب القدماء «برد الحسوم». سنة غبارية يتوقعها الزعاق، وبغبار «مستورد» من إيران والعراق والكويت، لذا سيكون لونه غريباً، لم يُعتد عليه.