وضع ممثلو نحو 20 شركة ألمانية كبرى في مؤتمر صحافي عقدوه في ميونيخ أمس، تواقيعهم على إعلان مشترك يتبنون فيه تنفيذ مشروع «تكنولوجيا الصحراء» («ديزرتك» Desertec) الذي يفتح باب عولمة إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية العابرة للقارات. وبذلك افتتحت أوروبا الباب الأوسع أمام تبدل ضخم في خريطة الطاقة عالمياً، مع ما يرافقه من تبدلات هائلة في السياسة والاقتصاد والأمن الاستراتيجي والتنمية وغيرها. وإذا كانت فكرة المشروع غير جديدة تماماً ومطبقة في مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم في عدد من البلدان، إلا أن ما يخطط له القائمون على «ديزرتك» يصل إلى حدّ الخيال الذي سيصبح واقعاً على مراحل من الآن وحتى عام 2050 وما بعده، في صحارى شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ويمكن القول إن خبراء الطاقة المتجددة والعاملين في حماية البيئة طوروا في السنوات الماضية فكرة المشروع التي بادر «نادي روما» و «المركز الجوي الفضائي الألماني» إلى طرحها عام 2003 لتأمين الكهرباء النظيفة (المسماة أيضاً «الطاقة الخضراء») الخالية من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، في أوروبا ودول المنطقة. ويقدر الخبراء كلفة المشروع بأكثر من نصف تريليون دولار عند انتهائه. وسيمكِّن دول أوروبا والمنطقتين من تغطية 20 في المئة من حاجتها إلى الكهرباء. وفي حال توسيع المساحة الصحراوية لتصل إلى 27 ألف كلم مربع، تحصل دول أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط على طاقة شمسية نظيفة توفر مئة في المئة من حاجاتها، بحسب تأكيدات شبه رسمية. وتضيف تلك المصادر أن استغلال أشعة الشمس على مساحة 90 ألف كلم مربع، أي واحد في المئة من المساحة الإجمالية للمنطقتين، يمكن أن يؤمن من الناحية النظرية كامل حاجة الكرة الأرضية من الطاقة الخضراء. من هنا يرى كثيرون، وخصوصاً حماة البيئة والمطالبين بوقف استخدام الطاقة الذرية الخطرة، أهمية مشروع «ديزرتيك» الذي يمكن أن يصبح نموذجاً يُحتذى به مستقبلاً في قارات أخرى. وعلى عكس تقنية تحويل أشعة الشمس مباشرة الى كهرباء، سيعتمد «ديزرتيك» على إنتاج الطاقة في عدد كبير من أفران الشمس الحرارية لتسخين الماء ليصير بخاراً حرارته 400 درجة، وبعدها يضخ الى توربينات تقليدية لتوليد الكهرباء. والأمر الأهم أن المهندسين وجدوا أيضاً حلاً عملياً لتخزين حرارة النهار من أجل استخدامها في الليل لتستمر التوربينات في العمل على مدار الساعة. وحضّت وزارة التعاون الاقتصادي والإنماء الألمانية والمنظمات الإنمائية والبيئية ومجموعة من السياسيين، الشركات المشاركة في المشروع الضخم على المساهمة أيضاً في تنمية الدول التي ستحتضن المشروع بكل ما يستلزمه ذلك من بنى تحتية وبشرية وتقنية، بحيث تشعر تلك الدول أن لها حصة ودوراً في التقدم الحاصل، وأنها ليست رهينة لشكل جديد من النهب الاستعماري. ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الحذر والتشاؤم والشكوك لا تزال سيدة الموقف لدى مجموعة من الشركات والمسؤولين، إضافة لبعض منظمات البيئة، الأمر الذي سيشكل تحدياً كبيراً للقائمين على المشروع للعمل في كسب الرهان وتأكيد الثقة بالمستقبل الذي قد يفتح آفاقاً لا تزال أبعادها مجهولة إلى حد كبير.