دمى عملاقة، أو صغيرة، مصنوعة من الخشب أو القماش أو الورق، عُلب وقصب وعُصي وخيطان... أذواق متنوعة ستجمع أطفالاً من المدينة وآخرين من عمق الريف والمناطق القبلية، حول تقنيات وتخيلات ستضمها الدورة الأولى لمهرجان الدولي للدمى في مدينة نابل، عاصمة الوطن القبلي في تونس، ابتداء من الغد وإلى 25 من الشهر الجاري. «على امتداد أسبوع كامل، كل شيء سيتحرك»، وفق القيمين على المهرجان، «كل شيء وكل المواد: السكر، الزيت، الألوان الطبيعية والحيوانية، القماش، العصي، كل شيء سيتحرك بجمالية مطلقة». ولمدينة نابل مع «العروسة» تاريخ طويل، وهي التي جابت العالم بلا جواز سفر، واليوم في نابل هي أصل «عروس السكر» التي يحتفي بها أهل المدينة ويخصصون لها موسماً كل سنة. هذه «العروس» التي يبرع في تشكيلها أبناء نابل وتهدى للأطفال في عيد رأس السنة الهجرية، ليست مجرد حلوى لذيذة، لكنها أيضاً ظاهرة في أرجاء العالم لارتباطها بالكثير من الحضارات والثقافات، إذ يشترك فيها التونسي والمصري والمغربي والتركي والروسي والروماني والأميركي... وما زال العلماء يدرسون جذور «عروس السكر». يعدّ مسرح الدمى من أهم التقنيات الدرامية التي يستعان بها في العروض المسرحية للأطفال، وحبك مشاهدها الدرامية، وتأزيم أحداثها بحركية ديناميكية. وهذا المسرح قريب جداً من اهتمامات الطفل، من النواحي الذهنية والوجدانية والحسية، يستخدم الحيوانات المقزمة في صيغ دراماتورجية مختلفة تتأرجح بين التراجيدي والكوميدي، وترد في أوضاع درامية متنوعة تجمع بين الجمال والقبح، الجد والهزل. بيد أن مسرح العرائس خصوصاً، ومسرح الطفل عموماً، تراجع كثيراً في العالم العربي، وهُمّش إعلامياً وتربوياً وفنياً، ما جعل الباحث المغربي حسن المنيعي يقول إن «ظهور حركة مسرح العرائس حظيت بتقدير الآباء، لأنها ملأت فراغاً هائلاً يتمثل في غياب مسرح للأطفال كان موجوداً من قبل في دول أووربية»، مضيفاً أنه «يجب الاعتراف بأن أزمة المسرح عربياً مرتبطة بتقلّص المساحة المخصصة للأطفال. وهؤلاء، إذ يُستبعدون، في سن معينة، لا يعودون يهتمون بالمسرح كراشدين، ما يفسر ضرورة التكوين، في الصغر، لتشجيع الصغار على إدراك مفهوم الدراما واكتشاف جلالها وسحرها». وحين نتحدث عن مسرح العرائس في تونس، تتجه الأنظار مباشرة إلى الدكتور محمود الماجري الذي وضع كتاباً متميزاً بعنوان «مسرح العرائس في تونس: من ألعاب الكاراكوز إلى العروض الحديثة». وسعى إلى ترسيخ مفاهيم عدة، بالاستناد إلى مراجع تاريخية مختلفة ومتنوعة، من بينها «عالمية العروسة»، مشيراً إلى مسارح عالمية استخدمت العرائس، ومن بينها «مسرح خيال الظل العربي» الذي انتشر في القرن الرابع عشر. وتطرق إلى انطلاقة فن العرائس في تونس، معتبراً أنها حديثة العهد ووليدة قرار سياسي تبنى هذا التعبير الفني، بوحي مما حققه في بعض البلدان الأوروبية، والشرقية منها خصوصاً. ويوضح أنه، ولئن راجت هذه التسمية حديثاً، فإن جذور هذا الفن تعود إلى عروض ألعاب «كاراكوز»، المنتشرة منذ القرن السابع عشر في شمال إفريقيا، وإلى عرائس إسماعيل باشا التي عرفتها تونس في بداية القرن التاسع عشر. ويتناول اهتمام الدولة التونسية بمسرح العرائس وتوظيفه في العمل الثقافي، مستعرضاً مراحل تطوره من خلال عروض بسيطة انطلقت العام 1977، إلى مهرجانات متنقلة للدمى المتحركة. كما يمر على مسرح العرائس التونسية، من خلال أعمال فرقة مسرح العرائس في تونس، وهي مؤسسة عامة أسست لهذا الفن بأعمال مختلفة، وصولاً إلى مؤسسة مسرح العرائس، مستعرضاً مراحل تأسيسها والمشاكل التي تعيق تقدمها، إضافة إلى أصناف المؤسسات المحترفة في هذا المجال ومن بينها المركز الوطني لفن العرائس. في هذا الإطار، ينظمّ المركز الثقافي «نيابوليس» في نابل، بالتعاون مع الجمعية التونسية لخرجي معاهد الفنون الدرامية والمعهد العالي للفن المسرحي في تونس، الدورة الأولى للمهرجان العالمي لفن العرائس في نابل. ويستقبل المهرجان عروضاً مسرحية مهمة من مصر والأردن وإيران والعراق وأذريبدجان وفرنسا وتونس، على خشبة مسرح المركز الثقافي- نيابوليس في نابل. ويخصص المهرجان مسابقة نموذجية للمتخصصين والحرفيين في مجال مسرح العرائس، من خلال تحدّ يخوضه المشاركون إذ يعدون عملاً قصيراً في 10 دقائق. وسينال الفائزون جوائز قيّمة، فضلاً عن دعم مالي للحرفيين الشباب وأصحاب الشركات الصغرى. كما ينظم المهرجان، بالتعاون مع المعهد العالي للفن المسرحي، ندوة بعنوان «مسرح العرائس والنص المسرحي» بإشراف محمود الماجري. ومن نشاطات المهرجان ما يختص بالقوافل الفنية، تشمل كل ألوان الفنون المسرحية، بإشراف الجمعية التونسية لخريجي معاهد الفنون الدرامية، وتغطي هذه القوافل بعض أرياف الوطن القبلي (محافظة نابل) وتقدم خلال جولاتها برامج تسعى إلى تعزيز مكانة فنون الفرجة.