يؤكد رئيس البرلمان العراقي والقيادي في «القائمة العراقية» اسامة النجيفي ان الموقف الرسمي العراقي تجاه سورية شهد تطوراً، لكنه يربط هذا التطور بحدوث قناعة بأن النظام السوري سيتغير، بعد ان كانت اطراف راهنت على استمراره. ويرى النجيفي المتحدر من مدينة الموصل في حوار مع «الحياة» ان مشاركة مدينة حلب في الثورة السورية مسألة وقت، وان المنطقة في طريقها الى بناء تحالفات جديدة. وحول القمة العربية في بغداد يعتبر ان العرب ينظرون بقلق الى أي تعامل غير متوازن مع المكونات العراقية ويجدد التحذير من التقسيم اذا تم تكريس عدم التوازن. وهنا نص الحوار: لنبدأ من قمة بغداد هل اطلعت على جدول اعمالها؟ - جدول الاعمال تم اعداده في القاهرة اخيراً ولم اطلع عليه، لكننا نعد القمة مهمة للعراق لجهة حضور العرب وفتح السفارات والتواصل والانفتاح على العالم العربي فهذه مسألة مطلوبة من كل القوى السياسية. هناك رأي يقول إن السنّة العرب اقل حماسة للقمة بسبب مخاوف ان تجير لصالح اطراف سياسية هل انت مع هذا الرأي؟ - لا طبعاً هذا غير منطقي، صحيح ان هناك عدم توازن بين المكونات المشاركة بالسلطة وهناك مطالبات بتحقيق الشراكة في الحكم، ومعاناة المحافظات من الاهمال والتهميش وسلب الصلاحيات، لكن حضور العرب مفيد للجميع، كما ان غالبية العرب هم من السنّة فكيف لا يتحمس سنّة العراق لقدومهم؟ برأيي اذا وصل العرب الى بغداد وأصبح هناك تواصل وانفتاح واستثمارات وعمل داعم للوضع السياسي في العراق، فإن ذلك سيكون مفيداً بدوره لكل المكونات العراقية وبينهم السنّة، وبالتالي لا يوجد سبب حقيقي ومقنع للاعتراض على القمة العربية، بل على العكس يجب ان نكون حريصين على عقدها. لكن الحكومة تتهم «القائمة العراقية» بمحاولة عرقلة القمة، من خلال التهديد بطرح الخلافات العراقية الداخلية على جدول اعمالها؟ - اعتقد ان من الطبيعي ان تناقش القمة الوضع الداخلي في العراق، كما ستناقش الاوضاع الداخلية في الدول العربية، ليست هناك مشكلة في الموضوع، فملفات مثل سورية والبحرين والتغييرات في المنطقة والمتغيرات العربية يجب ان تناقش من قبل الزعماء العرب، وليس هناك عيب في مناقشة الوضع العراقي، فالقضية العراقية تتداخل فيها كل الدول المجاورة مثلما تتداخل الاممالمتحدة فيها بشكل او آخر، ومن غير المعقول ان يبتعد العرب عن المشاركة في قضية هم معنيون فيها اصلاً، فهم معنيون بعراق مستقر متجانس حتى يفتحوا الابواب للعلاقات الاقتصادية والسياسية، هناك مشكلة في العراق وهناك أزمة ولكنْ، هناك طرق للحل، والمؤتمر الوطني للقوى العراقية على الابواب ونأمل بأن نتوصل الى اتفاق، ومع هذا فإن طرح الموضوع العراقي داخل القمة امر أشجعه وليس فيه عيب. ومع هذا فالحكومة أعلنت رفضاً قاطعاً لطرح القضايا الداخلية على طاولة القمة؟ - اذا حدث ذلك، فالأولى بالقمة ان لا تطرح اي قضية داخلية لأي دولة عربية وتتكلم فقط حول العلاقات مع العالم الخارجي وتترك العلاقات العربية - العربية جانباً. اعتقد ان هذا غير صحيح. القضايا العربية متداخلة واي مشكلة داخلية لأي دولة عربية تؤثر على الدول العربية الاخرى والمثال سورية الآن وخشية الدول العربية من تفاقم الوضع والحرب الاهلية او التقسيم، والوضع في البحرين مقلق ايضاً للدول العربية، فالمتغيرات التي حصلت في المنطقة متداخلة، الجامعه العربية تبنت قضايا عراقية صرفة خلال السنوات الماضية وعقدت المؤتمرات وقربت وجهات النظر وارسلت مندوبين رسميين الى العراق. يجب ان تبحث كل القضايا ومنها الوضع العراقي، فالعراق غير مستقر ويحتاج الى مساعدة الجميع في استقراره، والدول العربية يجب ان تكون ايجابية مع العراق، ولكن ايجابية مع وضع عراقي متوازن ومستقر وهذا لن يحدث الا بضمان مساعدة دول الجوار، العرب وتركيا وايران. على ذكر «المؤتمر الوطني» للقوى هناك ازمة حول توقيت المؤتمر، وانتم تؤيدون عقده قبل القمة العربية؟ - كلما تم التعاطي مع المؤتمر الوطني في وقت مناسب يمكن التوصل الى حلول. لا يزال هناك وقت، فاذا تم عقد الاجتماع التمهيدي للمؤتمر خلال الايام المقبلة وخرج بصيغة تؤكد اتفاق اربيل وتعالج المشاكل، فإن الوضع الداخلي سيكون اكثر متانة ورصانة في التعامل مع الدول العربية وفي النقاش الذي سيدور وعندها ربما تنتفي الحاجة الى طرح القضية العراقية على طاولة قمة بغداد، لكن اذا فشل المؤتمر ولم يعقد او تم القفز على التوقيت المطلوب سيكون هناك حاجة الى ابلاغ العرب بأن الوضع الداخلي ما زال يمر بمرحلة انتقالية وغير مستقر ويحتاج الى شروط معينة لكي يستقر. هل توافق على مقولة ان العراق سيدخل مؤتمر القمة وهو مختلف داخلياً حول الازمة السورية، فهناك تفاوت في المواقف من الازمة؟ - الموقف الرسمي العراقي تغير في الشهر الاخير وأصبح متطابقاً مع موقف الجامعة العربية، ووافق على المقررات العربية ويتحدث الآن حول ضرورة تغيير النظام السوري، ويحذر من الحرب الاهلية والتقسيم، وهذا هو الموقف الرسمي العام الذي تلتزم به كل الاطراف. هناك بعض الاطراف تتحدث بمنهج مذهبي ضيق وهذه قلة في المشهد العراقي، ولكن الموقف الحكومي الآن قريب حتى من مواقف الكتل المعارضة للسياسات الحكومية في قضايا اخرى. هذا التطابق الداخلي لا يبدو محسوساً، فهناك حديث اقليمي ودولي عن تسليح المعارضة والعراق يتحفظ على هذا الطرح، وهناك مخاوف عراقية شيعية من تولي متشددين سنة للحكم في سورية؟ - خلال اجتماع رؤساء البرلمانات العربية في الكويت صدر البيان الختامي وكان موضوع سورية يمثل وجهة النظر العربية والعراق أيد البيان بالكامل من دون تحفظ وأيد موقف الدول العربية بخصوص البحرين، انا لا اعتقد ان السلطة التنفيذية سيكون لها توجه آخر وهي تماماً مع التوجه العربي، انا قلت ان هناك مشكلة مذهبية تريد بعض الاطراف ان تجعلها حالة واقعه في العراق وتبني عليها اطراف سياسية ومصالح وتخندقات ومن الممكن ان تصل الامور الى اوضاع سيئة ولكن ليس هذا منهج كل العراقيين بل منهج اطراف سياسية معينة. الرأي الغالب في الطبقة الشعبية انها تريد بناء الجسور وردم الخنادق التي اقيمت في السابق وهناك اطراف ما زالت تحفر في الخنادق ولكن الارادة الشعبية والسياسية هي مع عدم السماح بترسيخ الامر في العراق. في القضية السورية ظهرت تصريحات مختلفة من ساسة عراقيين وقوى سياسية وحتى الحكومة في فترة ما، ولكن الآن بدأت المواقف تتغير وأيقنت كل الاطراف ان النظام السوري متجه الى التغيير وهذا الواقع غير مواقف بعض القوى التي كانت تراهن على استمرار النظام السوري، الخطورة في الامر برمته ان تبنى المواقف على اساس طائفي على مستوى قوى سياسية كبيرة بصورة واضحة، ما قد يؤدي الى مشاكل حقيقية في البلد. ولهذا على كل السياسين ردم هذه الهوة والعمل على تجسيرها بين المذاهب والطوائف حتى يبقى العراق بلداً واحداً، فهناك عوامل ربط والتصاق ولا نسعى الى التخندق لأنه اذا استمر وبنيت عليه سياسات ومناهج من الممكن ان يؤدي الى تقسيم العراق. لكن القضية اكثر تعقيداً من التخندق الطائفي، فهناك مواقف واصطفافات اقليمية، فهل يمكن قراءة الموقف العراقي بمعزل تماماً عنها؟ - تأثيرات دول الجوار ما زالت حاضرة وهذه التأثيرات تنطلق من مصالح وعلاقات مع قوى سياسية وشخصيات وعقائد معنية متداخلة، الوضع العراقي ما زال يعاني نوعاً من الانقسام اعتماداً على المذهب وعلى تاريخ المعارضة، وسيبقى هذا الامر حاضراً حتى يقرر العراقيون أمرهم بانفسهم ويتفقوا على صيغة حكم وشراكة على اطر قانونية ودستورية وعلى ميثاق وطني محدد الملامح، اذا لم نصل الى هذا المستوى سيبقى التدخل الاقليمي حاضراً وبالتأكيد يمكن القرارات العراقية ان تتوجه يميناً ويساراً بحسب الشخصية التي تتولي قطاعاً معيناً في سلطة او في مرفق معين، فهذا وزير له هوى ايراني مثلاً او تركي او عربي ويتصرف وفق هذا الامر. البعض يعتقد ان الضغوط الدولية على ايران واحتمالات تعرضها الى حرب سمحت للعراق باتخاذ مواقف اكثر استقلالية؟ - قوى سياسية عراقية كانت تعتقد قبل ستة شهور ان النظام السياسي في سورية سيستمر ويجب ان تقف معه من منطلقات مختلفة، الآن اصبحت هناك قناعة بحتمية سقوط النظام، فبدأ الموقف يتطور باتجاه ان العراق سيكون مع العرب ومع الشعب السوري ومع الحل الديموقراطي. ايران في مرحلة صعبة فهناك حصار دولي وتضييق وتهديد بالحرب، ونحن ضد ضرب اي دولة في المنطقة او اجبار اي دولة على تغيير سياستها من منطلق مصالح دول اخرى فلا بد ان يفرض الشعب في تلك الدولة التغيير ويجب ان تستجيب السلطات الحاكمة ضمن الاطر الصحيحة. اعتقد ان هناك تطوراً في المنطقة وكثير من المحاور ستتغير. التحالفات ستتجدد وتتغير وحضور العرب الى العراق مؤشر مهم جداً، فالعراق منقطع عن العرب منذ تسعينات القرن الماضي، وهذا امر جديد وبالتأكيد عندما كان العراق بعيداً عن العرب والعرب بعيدون عنه، كانت الساحة مفتوحة للآخرين. اليوم يجب ان يكون هناك توازن في المصالح والعلاقات والاهم ان يكون هناك توازن عراقي داخلي. انت متحدر من مدينة الموصل التي ترتبط بعلاقات تاريخية واجتماعية مع مدينة حلب السورية ... برأيك لماذا لم تشارك حلب في الاحتجاجات ضد النظام؟ - انا اعتقد ان المدن السورية شاركت كلها في شكل او آخر، لكن هناك طبقات لها مصالح، كالتجار ورجال الاعمال والموظفين، كما ان المعارضة السورية لم تحسم شكلها النهائي ولم توحد صفوفها وهناك مخاوف من تسلل بعض الجهات المتطرفة مثل «القاعدة». باعتقادي ان حلب ومدناً اخرى في الطريق للدخول الى الثورة السورية، الامر مسألة وقت، بعض رجال الاعمال سينظرون الى المستقبل واذا ايقنوا ان التغيير قادم سيكون لهم توجه آخر تماماً، ريف دمشق يشارك في الثورة اليوم وقبل ستة شهور لم يكن مشاركاً. الخطاب الرسمي العراقي متخوف من حرب اهلية في سورية، هل يتطابق رأي البرلمان مع هذه المخاوف؟ - لا طبعاً. لا يمكن الجزم بحصول حرب اهلية في سورية، بالتأكيد هناك تمييز طائفي وقتل على مستوى الطائفة والقوات العسكرية تضرب المتظاهرين، ولكن حتى الآن الشعب السوري لم يظهر ردود فعل تدعم مخاوف الحرب الاهلية، فالمنشقون من الطائفة العلوية ينضمون الى الثوار ومثلهم فعل الاكراد والدروز. ما زال طابع الثورة السورية وطنياً ولم يأخذ اي طابع طائفي، هناك نظام يضرب شعبه في مختلف الاتجاهات، مثلما هناك بعض الحوادث المقلقة كما حدث في قضية ذبح اكثر من 40 شخصاً في حمص اخيراً، ولكن نأمل بأن الشعب السوري لن ينجر الى مصيدة كهذه. كنت في الكويت اخيراً، هل تعتقد ان هناك تغييراً في ملف العلاقات المتأزمة بين البلدين؟ - العلاقة بين البلدين شائكة وطويلة ومليئة بالمآسي، والآن الامور تحتاج الى قرار سياسي عراقي لتطبيع العلاقة مع الكويت وحسم كل القضايا العالقة استناداً الى القرارات الدولية والمصلحة المشتركة، ومحاولة اسقاط الديون ومعالجة التعويضات بطريقة مناسبة وفتح صفحة جديدة. لا بد من ان يكون التنازل من الطرفين وان يكون الحوار رسمياً وديبلوماسياً ويستند على القانون والرؤية المستقبلية لدولتين جارتين يأمنان بعضهما بعضاً، ونأمل بأن نصل الى هذا القرار في زيارة رئيس الوزراء الى الكويت. انا التقيت القادة الكويتيين وهم لديهم توجس وقلق ولديهم شعور انه لا يوجد في العراق قرار سياسي لتسوية كل الملفات وهذا الامر يحتاج الى المزيد من الحوار والعمل، لنتمكن من اخراج العراق من طائلة الفصل السابع ويعود عضواً حقيقياً في المجتمع الدولي ونعالج قضايا التعويضات التي اثقلت الشعب العراقي. والخلاف حول ميناء مبارك؟ -هذا الخلاف يجب ان نعتمد فيه على رأي اللجان العراقية المتخصصة التي توصلت اخيراً الى آراء عرضت على لجنة العلاقات الخارجية ومجلس الوزراء، واثبتت ان ليس هناك اضرار اقتصادية على العراق او اضرار بيئية من انشاء ميناء مبارك، لكن من الممكن ان يكون هناك نوع من الازدحام في السفن عند دخول خور عبد الله على اعتبار ان ميناء مبارك سيشيد على مقربة من ميناء الفاو، وهذه اشكالات يمكن ان تحل بالتفاوض. ولكن ميناء مبارك في النهاية يقام على ارض كويتية وعلى بر كويتي وليس في البحر وكل المعوقات التي تعيق الملاحة في خور عبد الله تمت ازالتها، كما ان حرية الملاحة في خور عبد الله مضمونة بموجب القرار الدولي 833. المملكة العربية السعودية عينت اخيراً سفيراً غير مقيم في العراق ... ما هي الخطوة التي يجب ان يتخذها العراق بالمقابل لفتح المنافذ في العلاقات، اين تكمن «العقدة»؟ - «العقدة» تتعلق باطمئنان السعودية للوضع العراقي الداخلي والقرار العراقي السياسي المستقبلي ازاء دول الخليج وهل سيكون العراق بلداً صديقاً ام منافساً ام مثيراً للمشاكل. لا بد من ان تكون هناك قناعة بعلاقات طيبة، ومتوازنة مبنية على المصالح المشتركة وترتيب الاوضاع الداخلية العراقية حتى لا يظهر اي قلق عربي من تعامل غير متوازن في الداخل العراقي بين المكونات الداخلية. كنت طرحت تحذيرات من تقسيم العراق، كيف ترى الامور تسير الآن؟ - الوضع الداخلي ما زال غير متوازن، وهناك رؤية لتحقيق التوازن وهي رؤية متفق عليها لدى غالبية القوى العراقية، والمؤتمر الوطني سيحدد هذه الرؤية ويحدد الاجراءات العملية لتحقيق التوازن، واذا تحقق ذلك لا خشية على العراق فهو سيستمر بلداً واحداً منسجماً متفاهماً وناجحاً، لكن اذا لم يتحقق التوازن فالمخاطر قائمة عبر المطالبات بالاقاليم او بالحقوق ما يفتح المجال لكل الاحتمالات التي نحذر منها. وقضية طارق الهاشمي؟ - قضية طارق الهاشمي لها جانب سياسي وآخر قانوني ونأمل بأن يتم علاج الجانب القانوني بالأطر القانونية وعدم ادخال السياسة في الامر لأن القضية سيست منذ اليوم الاول وهذه هي المشكلة، الآن لا بد من اجراءات سياسية لنعالج ما تم ضخه في القضية من تحشيد شعبي وصور رسمت حول الموضوع عبر الضغط على القضاة والضغط على القوى السياسية، حتى يكون هناك محاكمة عادلة مستوفية الشروط.