العدد المليوني لزوار معرض الرياض الدولي للكتاب يفترض به أن يشي بمجتمع قارئ، وأقول قارئ وليس مثقفاً، أو واعياً، على رغم أن الاستدلال على إحدى الصفتين يبدأ غالباً من فعل القراءة، الذي يحيل إلى تهذيب العقل، فيتهذب السلوك الشخصي، وترى ذلك في السلوك العام للمجتمع. وبتأمل انطباعي، ليس مبنياً على بحث اجتماعي، أو استقصاء شعبي. لا أعتبر هذه الأعداد كلها قارئة؛ لأنها لو كانت كذلك، لتغيرت ملامح الشارع كثيراً، وأعني هنا أبسط الأشياء قيادة السيارة، عدم التطفل على الآخرين، الانتظام في صفوف «سِرَا»، احترام الأضعف، حفظ الممتلكات العامة، وفعل القراءة نفسه في الحديقة والمطار فقط فليس لدينا قطارات أو مترو أنفاق نتشبه بهما بصديق. إذنْ ما الذي يجلب مليون رجل وامرأة من مختلف المشارب إلى معرض الكتاب في الرياض؟! بالتأكيد هناك من يقرأ، ومن يدرس أكاديمياً، ومن يبحث عن مادة صحافية، ومن يسبر أغوار منافسيه، أو يطلع على الأحدث في مجاله، روايةً وسياسيةً وشعراً و«خرابيطاً». لكن مع هؤلاء الذين أزعم أنهم يشكّلون الأقلية ينضم كثيرون، يشترون قليلاً من الكتب، وكثيراً من الترفيه، «يبحلقون» علهم يشهدون على الهواء مباشرة إحدى المعارك التي يقرأون عنها في الصحف، يريد بعضهم استشعار أنه يعيش بشكل طبيعي مثل بقية شعوب الأرض، وأن بإمكانه اصطحاب عائلته، أو صديقه والدخول إلى مناسبة كبرى عامة، من دون قيد أو شرط، هذا الإحساس يتوافر في مناسبتين أو ثلاث فقط تحظيان بحماية الحرية فيهما. وعلى رغم الفارق لكن الاستدلال يكرس الفكرة، فعندما يقام معرض عقاري ترى أكثر من نصف الزوار ممن لا يمكن أن يكونوا مستثمرين، أو باحثين عن سكن، أو حتى بائعين، أو سماسرة، لكن الاطلاع و«التمشي» حق لهم، وهي طبيعة المعرض في كل أصقاع المعمورة. أن تكون جزءاً من نشاط البلد، وبالتالي نشاط أهله، فمن لا يقرأ قد تستهويه القراءة، وقد يحس بالرغبة في أن يكون مثل هؤلاء، ومن لا يعمل في العقار قد يجد نفسه وقد أحب هذا المجال مثلاً. يزيد الأمر قليلاً في مجتمعنا، لقلة فرص الترفيه، والترفيه العام تحديداً الذي يمكن الحصول عليه للشباب خاصة، والعائلات بشكل عام، واستشهد أيضاً بعرض الكوميديا المرتجلة الذي أقفل الشوارع من حول مركز الملك فهد الثقافي، كما فعل معرض الكتاب بتقاطع طريقي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعثمان بن عفان. بالثقافة نفسها، وصرامة التنظيم نحتاج إلى ما لا يقل عن أربعة معارض سنوياً في المدن السعودية، تنشر الكتاب، تنتشر القراءة شيئاً فشيئاً، وتنشرح بعض الصدور لاستيعاب أفكار و«صور» أخرى. [email protected] @mohamdalyami