عرفهم المجتمع بتسخير جهودهم وتكريس حياتهم من أجل خدمة الحرمين الشريفين، تاركين خلفهم الحياة وزينتها، بعد أن هاجروا بلدانهم وأسرهم وفقدوا النسل، وذلك من أجل أن يفوزوا بخدمة الحرمين، في وقت لم يكن العثور على أشخاص مثلهم يقدمون العمل لخدمة الحرمين، وتتوافر فيهم الشروط العقلية والجسدية بالأمر اليسير، بل كانت رحلة البحث عن أشخاص مثلهم مضنية وشاقة بين الدول الأفريقية. وقال الباحث والمؤرخ السعودي المهتم بتاريخ المدينةالمنورة الدكتور تنيضيب الفايدي ل «الحياة» : «إن عدد الأغوات تقلص بالمسجد النبوي الشريف إلى ثمانية أشخاص فقط وجميعهم كبار في السن، ومع تقادم الأعوام وتغير المجتمعات، اختلفت أعمالهم داخل الحرمين التي بدأت منذ 1400 عام منذ بداية الدولة الأموية إذ أوجدهم معاوية بن أبي سفيان وذلك لخدمة بيت الله الحرام، وظهورهم في المسجد النبوي كان في زمن الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب، وما زال مستمراً». وأضاف: «أنه ما زال اسم الأغوات يطلق عليهم من المجتمع وهو الاسم الدارج منذ مئات الأعوام، ويعود أصل كلمة آغا إلى اللغة التركية وتطلق على الرئيس والسيد وأيضاً تطلق على الصيام الخادمين في القصور وفي الحرمين الشريفين». وأكد أن الأغوات لم تعد لديهم حارة كما في السابق، إذ كانت هناك حارة تعرف باسمهم، ويمتلكون عدداً كبيراً ومنتشراً من الأوقاف، وكانت لديهم أعمال كثيرة في خدمة المسجد النبوي الشريف، وانحصرت أعمالهم حالياً في الروضة ومصلى النساء، ولا تزال «الدكّة» والمسموع باسمهم جوار الروضة الشريفة، مشيراً إلى أنها ليست تاريخية وإنما عرفت باسمهم لجلوسهم عليها. وأشار إلى أن الأغوات يمتازون بلباس موحد عبارة عن أثواب واسعة خضراء اللون ويضعون على رؤوسهم غطاء يسمى القاووق، ويمتاز بعضهم عن بعض بشارات وعلامات بحسب مكانتهم الوظيفية، ولديهم رتب وظيفية أعلاها شيخ وهو المسؤول عنهم وعن إدارة العمل. ولفت إلى أنه يمكن التمييز بين درجات الأغوات ومراتبهم بواسطة استعمال الشال على أوضاع معينة فمن كان منهم في درجة الخبزية فما فوقها فإنه يضع الشال على الكتف ومن كان دون درجة الخبزية فإنه يربط الشال في وسطه، وتحت الرداء يلبسون الثوب والكوت أو السديرية والسروال الطويل وهذا الزي الذي يظهر فيه الأغوات هو زي العمل، وبعد انتهاء العمل وعودتهم إلى بيوتهم فإنهم يلبسون الملابس المعتادة. ومن طريقة التوظيف، أفاد بعض المؤرخين والباحثين إلى أن هناك شروطاً للعمل مع الأغوات، منها أن يكون مخصياً وأن يقبل تطبيق نظام الأغوات عليه، وأن يرابط في الحرم مدة سبعة أعوام متواصلة بناء على جدول المناوبة للأغوات، وأن يؤدي واجبه على أكمل وجه ويطيع أوامر مرؤوسيه وأن يتمتع بصحة جيدة، ويتم البحث عنهم في البلدان المعروفة مثل الحبشة والسودان من طريق الأغوات الذين يسافرون من أجل هذه المهمة. وفي حال تم العثور على من تتوافر فيهم الشروط للالتحاق بالأغوات فإنهم يخبرون به شيخ الأغوات فيكتب بشأنه إلى المقام السامي فيأمر بتعيينه ومنحه الجنسية السعودية، ويتم إحضار الآغا من طريق السفارة السعودية وبعد قدومه يجري عليه الكشف الطبي ويعرف بالنظام الذي يحكم الأغوات، وقد توقف حالياً استقدامهم بناء على أوامر سامية وآخر آغا تم تعيينه في هذا المنصب كان في عام 1399ه. ويحظى الأغوات برعاية كريمة وتقدير كبير من الحكومة السعودية لما يقومون به من خدمة جليلة في الحرمين الشريفين، إذ بدأ اهتمام الدولة بهم مع بداية العهد السعودي، إذ صدر مرسوم ملكي من الراحل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن نصه «فبخصوص أغوات الحرم المكي فهم بأمورهم الخاصة على ما كانوا عليه ولا يحق لأحد أن يعترض عليهم أو يتدخل في شؤونهم». وبعد وفاة الملك عبدالعزيز أيد الملك سعود تقرير والده بتقرير ملكي برقم (35 وتاريخ 4-3-1374) وهذا نصه «إننا نقر أغوات الحرم المكي أن يبقوا على الترتيب والعادة التي يسيرون عليها في أمورهم الخاصة وألا يتعرض لهم في هذه الأمور أو يتدخل في هذه الشؤون أحد». وكان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرسل إليهم كل عام مكرمة ملكية ومشالح تصلهم من طريق الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وتصرف لهم مرتبات كافية، إضافة إلى عوائد الأوقاف التي توزع عليهم بالتساوي وأوقافهم منتشرة في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورةوجدة وبعض البلدان.