الكل يحرص على خدمة بيوت الله وتسخير نفسه لذلك، ولعل من أعجب تلك الطرق من يعرفون بالأغوات والذين قدموا من أفريقيا مسخرين أنفسهم أو أبناءهم لخدمة الحرمين الشريفين. وقد اهتمت المملكة بالأغوات مع بداية العهد السعودي لما يقومون به من خدمة في الحرمين الشريفين، فكانت ترسل إليهم كل عام مكرمة ملكية تصلهم بواسطة وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، كما تصرف لهم مرتبات كافية، وقد ازداد عددهم قبل مائتي عام تقريبا ولم يتبق منهم في الوقت الراهن سوى 10 أشخاص أصغرهم سنا تجاوز ال60 عاما. ويقول الباحث في تاريخ المدينةالمنورة وعضو مركز بحوث المدينةالمنورة الدكتور تنيضب عواده الفايدي: الأغوات أشخاص تم خصيهم في طفولتهم واستخدموا خدما. معنى الآغا ويرجع لفظ مفرد الأغوات إلى تركيا وتعني الرئيس أو كبير القوم أو صاحب الشأن، وبحسب الروايات فإن تاريخ الأغوات يعود إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إذ كان أول من استخدمهم في خدمة الكعبة الشريفة فيما ذهبت بعض الآراء إلى أن ابنه يزيد هو أول من استخدمهم، كما رجحت بعض الروايات أن أبا جعفر المنصور الخليفة العباسي هو أول من استخدمهم، وتشير روايات أخرى إلى أن أغوات المدينةالمنورة يعود تاريخهم إلى زمن الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب إذ عينهم لخدمة المسجد النبوي الشريف وكساهم باللباس الأبيض. موطنهم الأصل عرفت ظاهرة الأغوات في بعض القبائل الحبشية إذ كانت تقدمهم لخدمة الحرمين الشريفين، أما الرواية الأكثر جدلا فهي أن جماعة من الأفارقة يقومون بجلب مجموعة من صغار العبيد ويبترون أعضاءهم الذكورية وكافة الأعضاء المرتبطة بالعضو ويسكبون الزيت المغلي على منطقة البتر لوقف نزيف الدم ثم يضعون مكان الجرح مسحوق الحناء، ويدفنون الصبيان في الأرض إلى ما فوق بطونهم مدة أربع وعشرين ساعة وبعد استخراجهم يضعون على الجرح عجينة الطين الأبليز والزيت، الأمر الذي يعرض بعض الأطفال للوفاة. روايات مكذوبة وقد نفى الأغوات الروايتين السابقتين مشيرين إلى أن آباءهم لم يقدموا على هذا الفعل بل هم ضحايا الغزو الإيطالي واستعمار الحبشة وأجزاء من أفريقيا، إذ عمد الجنود والغزاة إلى خصيهم وهم دون الرابعة كي يمنعوا تكاثرهم، ورغم ما عرف عنهم بأنهم مخصيون لكنهم يتزوجون النساء كبقية البشر. لباس الآغا يقول الدكتور الفايدي: الأغوات قديما معروفون بأشكالهم ومتميزون بلباسهم فيرتدون عباءة استانبولية وأثوابا واسعة من الحرير مطرزة تطريزا كثيفا ويضعون خنجرا مرصعا بالجواهر مثبت على حزام يربطونه في منتصف بطونهم، ويحملون عصا طويلة أما الموجودون حاليا فيرتدون الدقلة بأشكال متعددة وثوب مفتوح من الأمام يسمى (الفرجية) ويتوجون رؤوسهم بلفافة عليها (الطاووق) ويتحزمون من وسط بطونهم بقطعة بيضاء من الشال ذات لون أبيض أو أخضر إذ لباسهم بحسب درجة الآغا فمن درجته عالية يضع الشال على الكتف ويسمى (الخبزي) أما ما دون ذلك فيتحزم به على وسطه. ويواصل للأغوات نظام دقيق فينفذون ما يطلبه رئيسهم بدقة ويظهر منهم السمع والطاعة. ويشير إلى أن الأغوات العاملين في الحرمين الشريفين عندما كانوا يسافرون إلى الحبشة يكلفون بالبحث عن أناس تنطبق عليهم مواصفات (الآغا) وعند حصولهم عليه يخبرون شيخ الأغوات الذي بدوره يخاطب الجهات المختصة حتى يعتمد رسميا للعمل في أحد الحرمين الشريفين في مجال التنظيف والترتيب وتفريق النساء عن الرجال، وقد توقف اعتماد الأغوات بعد فتوى أصدرها مفتي عام المملكة سابقا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ، بعدما علم بأن آباءهم يقومون بخصيهم لإرسالهم إلى مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة. ولفت إلى أن الأغوات لهم حارة في المدينةالمنورة تسمى الأغوات وكانت وقفا على الأغوات وأزيلت ضمن التوسعة منذ أكثر من ثلاثين عاما، كما لهم موقع داخل الحرم النبوي يجلسون فيه يعرف بدكة الأغوات وتعتبر دكة الأغوات مثل الصفة التي كانت مخصصة لإيواء الفقراء في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم.