أسهم الحضور الأمني «اللافت» في معرض الرياض الدولي للكتاب تقريباً، في اختفاء حوادث «الاصطدام مع المحتسبين»، التي كانت تكدر المنظر الحضاري للمعرض في سنواته الماضية، وتعيق انسيابيته، كما قللت من مخاوف العائلات التي خشيت من وقوع حوادث مشابهة لما وقع في مهرجان الجنادرية الشهر الماضي. وعبر عدد من المثقفين أمس ل«الحياة»، عن ارتياحهم من حالة الهدوء والاستقرار التي يشعرون بها هذا العام، منوهين أن حضور الأمن بهذه الكثافة «أمر طبيعي»، وأنه أسهم في كف يد «العابثين»، رافضين أن يكون حضورهم يعطي أية إشارة «سلبية»، مؤكدين أيضاً أن كثافة الزوار دليل على فشل دعاوى المقاطعة. وقال الشاعر علي الدميني: «إن حضور رجال الأمن لا يدعو للاستغراب، بل إن حضورهم لم يتسبب في أي أثر سلبي على خط سير المعرض، فلم يكن هناك أي تدخل منهم قد يفسد هذه التظاهرة»، مضيفاً «أن من ينظر لإقبال الزوار لا يلاحظ أي اختلاف بينه وبين الأعوام السابقة». وأوضح أنه اضطر إلى إيقاف سيارته على بعد خمسة كيلو مترات بسبب كثافة الحضور، «ولو قاطعت مجموعة صغيرة المعرض، فهناك آلاف القراء في هذه البلاد». فيما شجع الروائي عبده خال هذه الخطوة، «إذ لا يشك الحصيف أن الحضور الأمني ساهم مساهمة فعالة في تحقيق رغبة المثقفين ومحبي القراءة، في التسوق والتجول في أجواء مريحة بعيداً عما يعكر صفو المعرض كل سنة من وجود مخربين ومشوهين للمحفل الثقافي الذي نعيشه»، موضحاً «أن حضور الأمن لم يسهم فقط في حماية الزوار من محاولة التأثير في عقولهم، ولا في حماية دور النشر من منعهم من مزاولة مهنتهم، بل أيضاً في حماية المثقفين من محاولات التعدي الشخصية وإلحاق الضرر الجسدي بهم، كما حدث معي ومع غيري في أكثر من مرة». ولفت صاحب «لوعة الغاوية» الصادرة عن (دار الساقي) هذا العام، إلى أنه من خلال المتابعة والرصد، «وجدت أن خيراً فعلوا بهذه المقاطعة التي لم تؤثر قيد أنملة على نسبة الحضور والقوة الشرائية للمعرض». البحث عن الثقافة بشرط توفير البيئة المناسبة وأشاد الكاتب مشاري الذايدي بالحضور الأمني، واصفاً المعرض بأنه أفضل من الأعوام السابقة «بسبب الحضور الأمني الذي يخطئ من يتوقع أنه موجه لفئة بعينها، ولكن حضوره كان بقصد حفظ أمن الجميع دون استثناء، ضد كل من يريد أن يشوش انسيابية المعرض، سواء كان ذلك لأسباب فكرية، أو أمنية أو عبث من أجل العبث»، مشيراً إلى أن ما يحدث يعطي دلالة «إلى أن المجتمع السعودي، كأي مجتمع آخر طبيعي، يبحث عن الترفية أو الثقافة بشرط توفير البيئة المناسبة». ووصف الذايدي أن ما يجري في المعرض «هو دليل كذب ما يشاع من دعاوى البعض أن وجود أناس متبرعين من تلقاء أنفسهم، دون أن يحملوا أية صفة رسمية سيحفظ الأمن، بل بالعكس، المجتمع منضبط، وأي تعدٍ سيتم التعامل معه من الجهات المعنية المخولة في النظر في مثل هذه القضايا». واعتبر أن حضور الأمن «بديهي لكل عاقل، بحكم أنك تتعامل مع حشود، بغض النظر عن طبيعية هذا التجمع، سواء كان ثقافياً أو رياضياً، ويجب أن يتوفر الأمن ويتم ضبطه». وعن دعاوى المقاطعة، قال: «هو تصرف حضاري، ما لم تتحول هذه المقاطعة إلى فرض وجهة نظر المقاطعة على الآخرين بالقوة». بدوره قال الروائي محمد المزيني: «إن ما نراه يثلج الصدر، بسبب ما قام به الأمن من قطع السبل كافة أمام من يسمون أنفسهم ب(المحتسبين) في تعكير صفو المعرض، إذ كانوا لهم بالمرصاد، مما أوجد حالة من الراحة في نفوس الزوار الذين انكبوا من جميع بقاع المملكة ومن خارجها». رافضاً أن يكون لدعاوى المقاطعة أي دور، «على رغم محاولة التكثيف العشوائية التي قاموا بها في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعية، إذ فشل كل هذا، وأثبت المجتمع أن لديه حرية واستقلالية ويرفض الوصايا على عقله، وأنه غير مرحب لأن ينساق لأية جهة كانت». من ناحية أخرى، أكد مساعد مدير المعرض عبدالله الكناني، أن حضور قوات الأمن «أمر طبيعي ولا غرابة فيه، وهي تساهم في إنجاح المعرض مع بقية الجهات الحكومية الأخرى المشاركة»، موضحاً أن حضورهم «ساهم في بث الطمأنينة والشعور بالراحة في نفوس الزوار، وكف يد العابثين، الذين تأذت منهم دور النشر والمثقفين، وبالتالي زوار المعرض». ونفى أن يكون وجودهم تسبب «في أي إزعاج يذكر، كما يدعي بعض من يدعون الثقافة أو العابثين، مما يزعجهم هذا المنظر الهادئ والحضاري لمحفل ضخم كمعرض الكتاب الدولي». وأشار الكناني أن دعاوى المقاطعة قامت بها بعض المجموعات بقصد إجهاض المعرض، «باءت بالفشل، فأعداد الزوار الذين يتوافدون يومياً، والقوى الشرائية التي لم تهتز بل قفزت إلى أرقام فلكية في اليوم الواحد، لهي دليل على أن المعرض يسير بالاتجاه الصحيح، وأن تلك الدعاوى لم تعد تلقى رواجاً بين الناس التي لم تعد تسمح لأي من كان أن يتحكم في عقولها».