مجموعة «بلالا» على موقع «فايس بوك» تناقش مسألة التدخين، ويبدو في إحدى الصور بلالا شخصياً يرفع يده بعلامة النصر مع أحد أعضاء المجموعة، في حين يحمل سيجارة باليد الأخرى». وللتوضيح فإن حمدي بلالا هو صاحب الصورة الشهيرة لرجل يحتضر من أثر التدخين على علب السجائر التي تباع في مصر. أنماط وموجات من الإعلام الموجه للشباب، بعضه يرتدي عباءة الوعظ والإرشاد الكلاسيكية، وبعضه يتحلل من كل القيود والنظريات، والبعض الآخر يحاول الإمساك بالعصا من المنتصف، لكن في خضم السوق العامرة بأنواع شتى من الإعلام الشبابي، ماذا يفضل الشباب المصري؟ ومن أين يستقي معلوماته؟ وهل هو على استعداد أو لديه القدرة أو كلاهما لشراء مطبوعة دون غيرها، أو البحث عن موقع إلكتروني معين، أو الانضمام الى جماعة دردشة أو مجموعة على «الفايس بوك» للتعبير عن رأي واستقاء آراء ومعلومات من الآخرين؟ تكاد لا تخلو مطبوعة مصرية يومية أو أسبوعية، رسمية أو خاصة من ركن أو صفحة أو مواضيع يفترض فيها أن تكون موجهة للشباب، لكنها أركان وصفحات تظل مشتتة الطابع ومعتمة الهدف. يقول صحافي فضّل عدم ذكر اسمه يعمل منذ سنوات طويلة في مجلة شبابية تصدرها مؤسسة رسمية: «يفترض أن تكون المجلة شبابية الروح والنبرة، ذات جمهور محدد، وهدفها التواصل مع الشباب المصري، لكنها تحولت عبر السنوات لتكون مجلة: سمك، لبن، تمرهندي. وبمعنى أدق أضحت مطبوعة مثلها مثل غيرها من المجلات الأسبوعية، والشهرية المتنوعة، ولم تعد شبابية إلا في اسمها». أما أركان الشباب وصفحاتهم في الصحف المختلفة، فمطالعتها من قبل الشباب تبقى في المقام الأول والأخير مسألة حظ، أي إنها تقع إما في يد الشاب أو الشابة بمحض الصدفة أو لا. آسر صالح (20 سنة) يؤكد أنه لم يشتر صحيفة في حياته بل إن فكرة مطالعة الجريدة في حد ذاتها لا تخطر على باله كثيراً، باستثناءات بسيطة مثل اليوم الذي يعقب المباريات المهمة، أو لمطالعة حدث كبير مثل الحكم على هشام طلعت مصطفى بالإعدام، أو ما شابه. وحتى في مثل تلك الأمور تقوم المحطات التلفزيونية «بالواجب وزيادة» على حد قوله. يقول: «لست استثناء، بل أعتبر القاعدة، والدليل أن كل أصدقائي مثلي تماماً. صحيح أن الاهتمامات تختلف، فهم قد يحرصون على مطالعة الصحيفة للبحث عن تفاصيل قضية تختلف عن اهتماماتي، لكنها تظل مطالعة مشروطة بحدث ما، وغالباً تعتمد على وجود الجريدة أصلاً في البيت». وعلى رغم أن الغالبية تلصق ضعف الإقبال الشبابي على مطالعة الصحف والمجلات بسببين رئيسيين، إلا أن ذلك يعد تبسيطاً شديداً للأمور. فالاعتقاد السائد هو أن الشباب لا يقرأ الصحف والمجلات، حتى تلك المخصصة له إما لأسباب اقتصادية بحتة، أو بسبب السلبية التي تجعله غير مكترث بالقراءة والاطلاع، أو كلاهما. لكن واقع الحال يشير إلى اتجاه فئات عدة من الشباب إلى مواقع إلكترونية، بعضها إخبارية عامة، وليست موجهة للشباب تحديداَ، وأن كثيرين يدفعون مبالغ تتجاوز ثمن الجريدة أو المجلة لمجرد الاطلاع. تقول شاهيناز كرم (19 عاماً): «أنا زبونة شبه يومية في مقهى الإنترنت القريب من البيت، وأغلب الدقائق الستين التي أمضيها هناك تكون مخصصة للتجوال السريع بين عدد من المواقع الإلكترونية التي أبحث فيها بسرعة عما أحب مثل أخبار الفنانين، والحوادث، وعروض الأوبرا وساقية الصاوي، وهذه الطريقة للاطلاع تعطيني حرية الحركة في مطالعة ما أريد، ومن ثم أنطلق نحو مزيد من البحث عن الأشياء التي تهمني في مواقع أخرى». حرية الاختيار هي إذاًأحد العوامل المهمة التي تحدد إقبال الشباب على وسائل الإعلام. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ظهرت في السوق المصرية في الفترة الأخيرة نوعية من المجلات الموجهة للشباب لم تكن موجودة من قبل. وتعتمد هذه النوعية على مخاطبة النزعات والميول التي ظل الإعلام التقليدي يتجاهل وجودها، ويركز بدلاً منها على الوعظ والإرشاد. فمثلاً مجلة «كلمتنا» و»تين ستاف» وغيرهما لم يهتما سوى بالقضايا التي أغفلها وتجاهلها الآخرون عن عمد. ليس هذا فقط، بل إن كتّابها ومحرريها يشترط فيهم أن يكونوا هم أنفسهم من الشباب، ونسبة كبيرة منهم تكتب عن تجارب ومشاكل شخصية، ما يضفي عليها صدقية وحميمية. نموذج آخر عرف طريقه إلى السوق، ويجد قبولاً بين نوعية معينة من الشباب والمراهقين تمثله مجلة «جي ماج: تواليت تايمز»، والتي تعتمد على روح الدعابة والسخرية السوداء. فمثلاً تقترح على صفحاتها «الطرق المثلى لعدم الإصابة بانهيار عصبي أثناء القيادة في شوارع القاهرة»، أو في صفحة أخرى «كيفية التعامل مع موظف حكومي غبي». وعلى رغم هذا التنوع، تظل الشبكة العنكبوتية منفردة بدور البطولة في ما يختص بإعلام الشباب، وهي وصلت الى درجة من التوسع والنضج ما جعلها مجرد ساحة وليست غاية في حد ذاتها. فبالإضافة إلى المواقع الإلكترونية المحترفة التي تجد صدى كبيراً بين الشباب، تلعب منتديات الدردشة، ومجموعات «الفايس بوك»، ومرتادو ومستخدمو ال»يو تيوب» دوراً أقرب ما يكون إلى خميرة للحراك الاجتماعي والسياسي والديني والاقتصادي. يقول أحمد فايز (25 عاماً): إن «زمن المتلقي المسلوب الإرادة والفاقد الصوت قد انتهى، وبما أن التقنيات الحديثة تتيح لنا أدوات للإعلام والاتصال تسمح بمشاركتنا، فأنا أتصور إما أن تتحول كل وسائل الإعلام الموجودة حالياً إلى التفاعلية الحقيقية، واما ستختفي بعد رحيل الأجيال الأكبر سناً». وبحسب ما يشير فايز، فإن «هذا التفاعل ييدأ بالاتصالات الهاتفية، والرسائل القصيرة، ويمر بإمكان التعليق على خبر أو معلومة وردت على موقع ما، ولا ينتهي إلى إمكان التدخل لتغيير فحوى المعلومة المقدمة، مثل تقنيات «ويكيبيديا» وغيرها. وأقول لا ينتهي لأنني أتوقع أن يأخذ الإعلام بالانخراط تدريجاً في بحور الإنترنت والتقنيات الجديدة، ما نعيشه الان هو مجرد البداية». يشار إلى أن فايز يعتبر نفسه نموذجاً للمتلقي النشط، فهو يغذي موقع «يو تيوب» بالكثير من المشاهد والأحداث التي يقابلها في حياته اليومية، إضافة إلى استخدامه «الإيجابي» لشتى الوسائل والمواقع الأخرى. يقول: «أنا أصنع الحدث، إذن أنا موجود».