طالب الرئيس السابق للحكومة اللبنانية سعد الحريري «أصدقاء النظام السوري في لبنان بأن يدركوا أن قوة الحديد والنار لن تتمكن من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وان النظام السوري الاعمى يستطيع أن يعيش لعدة أسابيع أو شهور، لكن الشعب السوري هو الذي سيبقى الى الأبد. هذه سنة الحياة والتاريخ، وإرادة الشعوب». وكان الحريري يتحدث من باريس من خلال شاشة عملاقة مثبتة في «بيت الوسط» في بيروت، حيث اجتمعت قيادات «تيار المستقبل» وقيادات قوى «14 آذار» لإطلاق «الوثيقة السياسية» للتيار تحت عنوان «تيار المستقبل وآفاق الربيع العربي»، وفي مقدمة الحضور: رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» الرئيس أمين الجميل، رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة، النائب أنطوان زهرا ممثلاً رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وشخصيات سياسية ودينية واقتصادية. ووقف الجميع دقيقة صمت تحية «لأرواح شهداء لبنان والربيع العربي». وتوجه الحريري في بداية كلمته «بروح الاعتدال والمحبة والانفتاح، الروح التي نشأنا عليها، وأقمنا معها عقداً على الوفاء، لوطننا لبنان، وعروبته ورسالته الحضارية»، مذكراً بأن «الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هو شهيد الاعتدال والعيش المشترك والوحدة الوطنية وشهيد القرار الوطني الحر المستقل وطليعة شهداء الربيع العربي، ربيع الاستقلال اللبناني الثاني»، قائلاً: «إن المسلمين في لبنان، ليسوا كياناً سياسياً مستقلاًّ قائماً في ذاته، بل هم ركن من أركان المعادلة الوطنية التي يشكل المسيحيون في لبنان نصفها الأول، ومشروع الوثيقة التي أعدت تعبر عن هذه الحقيقة». حب الاستئثار الأبدي ورأى ان «الربيع العربي، يتيح أمام اللبنانيين، فرصة ذهبية لتحديث تجربتهم الديموقراطية، وتصفيتها من مخلّفات الحروب الطائفية وسياسات الاستقواء والرهانات على الخارج. واللبنانيون جميعاً معنيون بالتقاط هذه الفرصة، وتجنب القراءات الخاطئة لمسار الربيع العربي، وخصوصاً التغيير الحتمي القائم في سورية»، مشيراً الى ان «هناك أنظمة سياسية عمياء، رهينة حب الاستئثار الأبدي بالسلطة، اختارت أن تقود بلدانها بشعارات المزايدة والممانعة المزيفة في خدمة الحزب الواحد والرئيس القائد. وهناك شعوب قررت أن تكسر أبواب السجن الكبير». وشدد على ان على اللبنانيين أمام هذا المشهد، «إما أن يختاروا طريق الالتحاق بالأنظمة العمياء، فيعملوا على تجميل الوجه الإجرامي القبيح لتلك الأنظمة، وإما أن يأخذوا بيد الشعوب الحرة في مطالبتها بالحرية والعدالة. وفي يقيني أن شعب لبنان، بأصالته الديموقراطية، لن يختار سوى طريق الشعوب. هذا ما يقوله المنطق، وما توجبه مصلحة لبنان». ونبه الى انه اذا «كان هناك بين اللبنانيين من يرى، مع الأسف، عكسَ ذلك، ويصرّ على أن يقرأ التطورات في سورية بعيون النظام الأعمى، فهذه قراءةٌ أقل ما يمكن أن يقال فيها، إنها قراءة غير أخلاقية. هناك قاتل اسمه نظام بشار الأسد، يرتكب يومياً وبالجرم المشهود، عشرات عمليات القتل الموثَّقة بالصوت والصورة في كل أنحاء سورية. وهناك مدينة اسمها حمص، شن عليها بشار الأسد حرباً لا تقل ضراوة وشراسة وحقداً عن حروب إسرائيل ضد لبنان وغزة، وهناك فرق من الدبابات والشبيحة تقوم بمحاصرة المدن والقرى، من درعا الى إدلب، ومن بابا عمرو إلى جسر الشغور، وتمنع المياه والغذاء والدواء عن مئات آلاف المواطنين السوريين. فأي دين وأي أخلاق وأي دستور تجيز تبرير كل هذه الجرائم؟ وأين هي مصلحة لبنان من الرهان على نظام يغرق في حقول الموت التي أنشأها؟ هذا رهان وتبرير غير أخلاقي، ولن يشرِّف اللبنانيين أن يكون بين قياداتهم من يشارك في التغطية على ذبح الشعب السوري». وقال الحريري: «إرادتنا في لبنان أن نعيش في وطن موحّد، لا فضل فيه لمواطن على آخر، ولا ضمانة فيه من طائفة الى أخرى، إلا ضمانة الدولة، المسؤولة عن جميع المواطنين، وعن إقامة ميزان العدل والحرية والمساواة بين الجميع. قيمة لبنان أنه بلد الحرية، والمساواة، والديموقراطية تحمينا جميعاً، وضمانتنا للعيش المشترك في وجه التشرذم، وللوحدة في وجه الانقسام، وللحوار في وجه التعصب». وأعرب عن يقينه بأن الوثيقة التي ستصدر «ترتقي الى هذه المعاني، لتقدموا مشهد الاعتدال على حقيقته، ولتعلنوا من موقع الشراكة الوطنية مع إخوانكم اللبنانيين، أنكم لستم الآن ولا في أي مرحلة من المراحل، في مجال تقديم الضمانات لأي جهة أو مجموعة، ولستم بالتالي في مجال توجيه الرسائل لأي فريق، بأنكم جزء من ربيعٍ عربي مترامي الأطراف، تراهنون عليه لقلب المعادلات في هذا الاتجاه أو ذاك». لا وصاية على العيش المشترك وقال: «لا نعطي أنفسنا، ولا نرضى لأي جهة أن تعطي نفسها حق الوصاية على معادلة العيش المشترك في لبنان. إننا بمثل ما نرفض فعل الاستقواء بالسلاح والأحلاف الخارجية لفرض الشروط على إدارة الشأن العام في البلاد، نرفض في المقابل كل شكل من أشكال الاستقواء بنبض الأكثرية لفرض أي نوع من أنواع الأبوّة على الحياة الوطنية والسياسية». وأضاف: «إذا كان هناك من رسالة نتوجه بها من لبنان، إلى أطراف الربيع العربي، فهي رسالة الوحدة والعدل والعيش المشترك والاعتراف بالآخر. إنها رسالة السيد المسيح، رسالة السلام، ورسالة القرآن الكريم، وإذا كان وجود إسرائيل على حساب شعب فلسطين هزّ أركان العيش المشترك وتلاعب فيه لسنين طويلة، فإننا مازلنا نؤكد كونَنا أصحاب إرث كبير في هذا العيش، ليس في لبنان فحسب، إنما في معظم بلدان الوطن العربي وفي دول المشرق العربي تحديداً، التي ما كان لها أن تنهض من عهود الاستعمار بغير إرادة وطنية تضامنت على إنتاجها رموز ونخب وقيادات من المسلمين والمسيحيين». واذ لفت الى ان «الحروب الإسرائيلية والداخلية، ساهمت طوال العقود الأربعة الماضية، في تغيير الوجه الديموغرافي للبنان، فنشأت مناطق شبه صافية طائفياً ومذهبياً، قامت على أنقاض تجربة طويلة من الاختلاط الطائفي والحياة الوطنية المشتركة»، اعتبر ان هذا «الواقع المؤسف لا يمثل جوهر لبنان، وحقيقته التاريخية والإنسانية، ولا يصح أن يبقى عبئاً ثقيلاً على مستقبل البلاد. واللبنانيون مطالبون، على صورة ما شهدته البلاد عام 2000، عند تحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الإسرائيلي، ثم في 14 آذار 2005، بكسر هذه الحلقة وإعادة إنتاج مساحات وطنية للتلاقي لا تتحكم بها مفاتيح الاستقواء السياسي والأمني وعوامل الارتباط بالأجندات الخارجية». وقدّر «عالياً مساهمات الحلفاء في قوى 14 آذار من خلال المواقف والوثائق التي تحاكي الربيع العربي، وفي مقدمها شرعة الرئيس أمين الجميل، ومواقف الدكتور سمير جعجع، والوثيقة المسيحية للقاء سيدة الجبل، والبيان المميز لأبناء الجنوب ومثقفيه، والمواقف المعلنة للشخصيات الوطنية وأهل الرأي». وقال: «هذه المبادرات تعكس التزاماً كبيراً بالربيع العربي وقضاياه في إقامة مجتمع الحرية والعدالة والديموقراطية». وثيقة لإغناء الحوار واشار الى ان الوثيقة «مساهمة في إغناء الحوار بين كل القوى المؤيدة لحق الشعوب العربية في الديموقراطية وتداول السلطة، ونضعها مع الوثائق والمواقف الأخرى من أجل حوار جدي للخروج برؤية وطنية جامعة من خلال النقاش الذي نتطلع إليه بين مكونات المجتمع اللبناني الديموقراطي. وما من أحد يمكن أن يدّعي أنه كان على بينة مما سيحصل في العالم العربي، ومما يحصل اليوم في سورية خصوصاً. راهنت الأنظمة على أن شعوبها تغرق في بحور من اليأس والخوف، وها هو الكفاح البطولي للشعب السوري يقدم الدليل القاطع على انهيار هذا الرهان. سورية تتقدم نحو الحرية، بإرادة شعبها وبتضحية آلاف الشهداء من أبنائها وآلاف المعتقلين الذين يجري زجهم في السجن الكبير».