أثار تصريح رئيسة جمعية مودة عن حقيقة نسب الطلاق المخيفة وعدم تراجعها في النسبة العامة لمناطق المملكة في شباط (فبراير) الماضي القلقَ المشروع لدى الاختصاصيين التربويين عن هذه الأزمة، أعقبها نداء الكاتب الدكتور نجيب الزامل للتركيز مجدداً وبصورة منهجية على قضايا الخلاف والصراع الأسري ودعوته لعقد مؤتمر حوار وطني عن هذه القضايا التي من الشجاعة أن ننعتها بالأزمة الوطنية، لأنها تهدم استقرار عديد من البيوت في كل نواحي مجتمعنا، وبالتالي تعريض المجتمع لحلقة انشقاق داخلي خطرة تهيّئه لاختراقات وأزمات نفسية وتربوية عديدة تحوّله إلى مشروع لأي وباء من الأوبئة الفتاكة مادياً أو نفسياً أو اجتماعياً. «تسونامي» الطلاق المروع لا يقف عند سبب واحد، فهناك أسباب أخرى يتصدر الوعي الاجتماعي التربوي قائمةَ أسبابها، خصوصاً مع ازدياد تأثير تكنولوجيا الإعلام والاتصال وإقصائها للمتطلبات الرئيسية في العلاقات الحوارية والودية والتواصل الاجتماعي داخل ذات الأسرة الصغيرة، ولذلك فإننا نشهد حركة تحول كبيرة للمجتمع نحو مؤسسات الإصلاح الأسري مع أنّ كثيراً من هذه الإشكالات بالإمكان حلّها تربوياً داخل المؤسسة الأسرية من دون اللجوء إلى المستشار الاجتماعي، وهذا ليس تقليلاً من الدور المركزي المهم للغاية الذي تضطلع به ثقافة الإصلاح التربوي ومؤسساته، لكن الخطأ هو تمكّن فكرة العجز عن معالجة الإشكالات الاجتماعية المتعلقة بعلاقة الزوجين أو بهما مع أبنائهما، ونقصد حال الأزمات والمشكلات المعتادة وليس حالات الاعتداء العنفي، فهذا له مبرر مهم للجوء إلى مصادر اجتماعية أو مؤسسية خارج الأسرة الصغيرة. إذاً ما نقصده من فقدان الأسرة قدرات المعالجة الذاتية وتكريس هذه الفكرة الخاطئة بأن حلَّ أيٍّ من هذه المشكلات يحتاج إلى مستشار اجتماعي متخصص، فتترك حتى تكبر أو يعتمد في علاجها فقط على النصائح الاستشارية، ونشر ثقافة العجز الإصلاحي في البيئة الاجتماعية، وهذه حال خاطئة وثقافة تحتاج إلى اهتمام كبير لتصحيح تلك المفاهيم وتدعيم فكرة القدرات الذاتية للأسرة، وتشجيعها على تحصيل قدرات المعالجة الحوارية واتخاذ قرارات الإصلاح بكل ثقة داخل المؤسسة الصغيرة. وليس هناك مانع من اللجوء إلى شخصية استشارية مؤهلة من ذوي الرأي والسلوك القيمي والأخلاقي الراقي تكون قريبة من البيئة الاجتماعية، فيما تبقى المؤسسات لمعالجة الأزمات الأكثر تعقيداً. المهم ألا تفقد الأسرة ثقتها بقدراتها الذاتية وأن تسعى بأفرادها، خصوصاً الزوجين والأبناء الكبار إلى التواصل الفكري والتحصيل المعرفي مع وسائل تجاوز العقبات والمشكلات الاجتماعية والتربوية، وهذا في حد ذاته مساعد مهم للحفاظ على العلاقة الزوجية وخفض مسببات الطلاق. مسارات الطلاق لعلنا نُدرج ما ذكرته بعض الدراسات في عوامل الطلاق إلى ثلاثة مسارات مهمة، الأول وهو الأكثر شيوعاً، بحسب الإحصاءات، حداثة الأزواج في التجربة الزوجية ومتطلباتها. والثاني السلوك الخاطئ في التعامل أو الطِّباع الحادة لأحد الزوجين أو كليهما، والثالث الضغوط الاجتماعية والحياتية التي تهاجم العش الزوجي أو تحيط به لعوامل مادية أو بشرية مع أن الزوجين كليهما يتمتعان بصفات جيدة أو مقبولة للتعامل والأخلاقيات العامة، بل وفي لغة التفاهم المشترك لكن الاستجابة لعوامل الضغط تجعل شريكي الحياة بين فكي الكمّاشة، خصوصاً إذا انتظر كلاهما الآخر للتقدم بالخطوة التصالحية أو التجاوزية عن المأزق، وأخفقا في المبادرة، فتتحول المشكلة إلى «أزمة». وسأبدأ بالمسار الثالث بحكم إمكان تكراره مع المسارين الأولين كليهما. إنّ مفهوم الزواج يتمثل في عقد شراكة إنسانية كبرى عظّمها الله عندما جعل سورة من القرآن تتحدث عن تفاصيله وتُركّز نصوص الوحي على عِظم كارثة الانفصال والتحذير منه والتبغيض فيها إلى آخر حدٍ ممكن. لكن مع ذلك وخلافاً للفكرة الأرثوذكسية، فهو يجعل فرصة لإنسانية الفرد - امرأة ورجلاً - ليعيش حياة استئناف أخرى، ولا يربطهما برابط جبري يقضي على حياة أي من الزوجين ويلغي الحياة الزوجية وكل مميزاتها باستكمال مسمى الزواج، لكن في ثوبين إنسانيين عدائيين لبعضهما، فيفقدون فرص استئناف الحياة تحت جبرية الإلزام من دون أي حب أو ود ولا حتى مصالح مشتركة. أردنا أن نبين هذه القضية حتى لا يختلط الأمر بحيث يصار إلى التحريم العملي للطلاق، ولولا مشروعيته وضرورياته للحياة في بعض الحالات ما شُرّع، ويخطئ بعض القضاة حين يُعقّد كل حالات الخلع والطلاق من دون استثناء، خصوصاً إذا كانت المرأة في محل اعتداء دائم عاشته لسنوات. ويخطئ البيت وأسرتا الزوجين والمؤسسة الاجتماعية المحيطة خطأً فادحاً حين يتساهلون مع تسهيل قضايا الطلاق أو الانفصال الأولي، فالأصل أن فرص الاستئناف بين الزوجين راجحة، وإمكان إدارة خلافاتهم أو تَفهّم دوافع النزاع وتغير ردود الأفعال بينهما على السلوك المرفوض أو الطبع السلبي مقابل إيجابيات تطرأ أو تُكتشف أو تُقدّر بينهما، فتكون عاملاً جذّاباً ومساعداً لاستمرار الحياة الزوجية فيكتشف الأهل بعد حين أنهم أخطأوا في تشجيعهم هذه الحال إمّا من خلال مراجعة المُطلّقة أو المُطلّق لسجل حياته وإما من خلال ثبات الحال الزوجية ونجاحها، وما يستبين للزوجين في لحظات السعادة والانسجام بعد مرور الأزمة بأن ما كان يجري في خاطريهما من مواجهة عدائية نفسية كانت تَصوّراً وليس حقيقة حياتية، وها هما تجاوزا الأزمة وحفِظا أسرتهما وأطفالهما ومستقبلهما الاجتماعي الناجح. إن أحد العوامل المهمة لتجاوز قضية الدفع الشديد للتأزم بين الزوجين تتلخص في مقدمة وثلاثة عناصر مهمة، هي ضرورة لتجاوز المشكلات الزوجية وبالتالي حماية البيت، أمّا المقدمة فهي الخروج من ثنائية الخطأ عليه أو عليها، خصوصاً في مسار أزمات الزوجين ذوَي التفاهم سابقاً، وهذه ليست هروباً من المسؤولية، لكن تقديراً حقيقياً للضغوط الاجتماعية، فإيمان الزوجين بأن بعض الضغوطات حتى خارج المنزل أو حاجات العصر السريعة أو إشكالات العلاقات الإنسانية المتعددة في محيط الزوجين العملي والاجتماعي كلها عناصر تجعل الزوجين كليهما يدركان أنّ هناك ضغوطاً على صاحبه وليست المسألة تطوعاً باستفزاز أو صراع، حتى لو لجأ ظاهرياً إلى ذلك، فإن هناك دوافع صنعت هذه الخلفية، وضيقاً ينبغي أن يُعامل برفق بينهما وبتجاوز وكرم شخصي حتى تنزاح تلك الضغوط وتخلق فرص الحوار والمعالجة. أما الأول من العناصر فهي قضية «الانسحاب الشجاع» حين تنعدم فرص الحوار أو التفاهم فإن الانسحاب من الجدل؛ لا رفض التفاهم «أمرٌ مهم»، ونقصد به الانسحاب اللطيف المعتذر وليس الاحتجاجي المتحدي، وذلك مطلوب من الزوج والزوجة أيهما أكثر شجاعة فليتقدم، والثاني إدارة العقل الذهني للحياة الزوجية واستذكار عناصر الطرف الآخر الإيجابية وأن ما يرد من سلبيات أمرٌ طارئ أو هو الأقل مقابل الإيجابيات، ثم الانطلاق إلى دائرة أكبر في التفكير والتسجيل الخطي الإيجابي إلى المصالح الإنسانية المشتركة بينهما.. ما الذي يجمعنا؟ وهل يساوي الخلاف ضريبة التفرق؟ طبعاً دائماً نحن نتحدث عن المسار الثالث في حالات الخلاف أو الانفصال الذي ذكرناه. أما العنصر الثالث، فهو التقدم بعد هذه الحصيلة لمعالجة جزء منها بالحوار، وليس بالضرورة أن يكون الحوار مباشراً وشاملاً كل شيء، فيكفي التقاط خيوط ورسائل ودية بين الزوجين يعرف كلاهما رسالة الآخر الإيجابية، فالإغراق في التفاصيل ليس إيجابياً، المهم إعلاء مبدأ القبول والتراضي بينهما، وعدم الوقوف عند كل خلاف حتى مع اختلاف وجهتي نظرهما والتقدم نحو التعزيز الإيجابي هذه الخلاصة خروج من مآزق زوجية عدة. حالات «الانفصال» تتصاعد إلى أرقام «مخيفة» خلافات الزيجات الحديثة خلافات الطباع الحادة