عمليات التعبئة والشحن تدور من دون ضجيج أو صراخ، إذ لا صوت يعلو على صوت المعركة. المعدون القدامى جارٍ تحفيزهم، وزملاء جدد جارٍ إغراؤهم للانضمام. الضيوف السابقون الذين تحولوا إلى ضيوف مزمنين في كل بيت مصري، مهددون بالطرد من جنة النجومية التلفزيونية بعد عام كامل من الانتشار. المؤشرات كلها تؤكد أنها بداية موسم تلفزيوني جديد. فبعد عام ثوري حفل بعشرات المواسم التلفزيونية، حان الوقت لبدء الموسم الأكثر سخونة والأعمق أثراً. كان الموسم الأول هو الاحتفاء بالثورة، وعظمتها وسلميتها وطهارتها، وهو للأسف الموسم الذي يمكن وصفه بالأجمل والأفضل، لكنه لم يستمر سوى لأيام قبل أن يفرض موسم تلفزيوني جديد نفسه. صحيح كان أسخن وأعلى صوتاً، لكنه فتح الباب أمام المواسم التالية التي أصابت جموع المصريين بحالة إحباط مرضية. كان الموعد مع موسم التعديلات الدستورية والاستفتاء عليها. ومن موسم «الدستور أولاً» إلى موسم «الدستور أخيراً»، وهو الموسم الذي استهلك آلاف ساعات البث التلفزيوني بين تحليل من الخبراء، وتحريم من المشايخ، وتجريم من القانونيين. وعلى رغم هذه الساعات المثيرة التي يعود إليها الفضل في إعطاء قبلة الحياة لكثير من القنوات، وعودة ضخ أموال الإعلانات في فواصل ال «توك شو»، غير أنه لم يسعها إلا إفساح الطريق أمام موسم جديد أكثر إثارة ودموية. اذ توالت حوادث «الطرف الثالث» على المصريين، من «ماسبيرو» إلى «شارع محمد محمود» ومنه إلى أحداث «مجلس الوزراء» وأخيراً «مجزرة بور سعيد». هذا الموسم الذي بزغ خلاله نجوم التحليل الأمني والتخطيط الاستراتيجي والتفكير التآمري دار في فلك «اللهو الخفي» الذي سلّم مقاليد ساعات البث بكل سلاسة لموسم «الانتخابات البرلمانية». وقد نجمت عن هذا الموسم ليس فقط مزاحمة الأعضاء المرشحين لمجلس الشعب الضيوف المزمنين على مقاعدهم في استوديوات عشرات القنوات، لكنه أدى إلى ضلوع القنوات نفسها باعتبارها أدوات في الحملات الإعلامية. ومن «موسم الانتخابات البرلمانية» إلى «موسم اختيار الرئيس»، الجميع يبذل قصارى الجهد للخروج ببرامج تحمل أقوى عروض الموسم الرئاسية وأكثرها إثارة. وإذا كان الفوز بالنصيب الأكبر من كعكة المشاهدة هو غاية المنى والأمل لبعض الفضائيات، فإن بعضها الآخر لديه من الآمال والأحلام ما هو أبعد من ذلك. فهناك من يجهز للإجهاز على مرشح لحساب آخر، وهناك من بدأ بالفعل تخطيط عمليات الاغتيال السياسي التلفزيوني وتنفيذها. وعلى رغم تصريحات مسؤولي القنوات الرسمية عن قواعد وقيود استضافة المرشحين ليحصل الجميع على نسب مشاهدة متساوية، إلا أن الأثير العنكبوتي والأطباق الهوائية قادران على تقديم بث مستمر للمرشح المفضل وإخفاء الآخرين إما بدقة فأرة أو ريموت كونترول.