عندما تترجم الإدارات الأميركية المقدس إلى الواقع لا تجد سوى إسرائيل، خصوصاً في زمن الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، حين يتحول المقدس دعماً مالياً وإعلامياً لهذا المرشح أو ذاك، وحين تصبح مئات الملايين من الدولارات الناخب الأساسي. باراك أوباما لم يشذ عن هذه القاعدة الذهبية، منذ وصوله إلى البيت الأبيض. عندما كان مرشحاً للرئاسة زار إسرائيل. اعتمر القلنسوة اليهودية خلال زيارته نصب المحرقة «ياد فاشيم». لم تكن الزيارة مجرد بروتوكول أو مجرد تعبير عن الندم يتبعه زوار الدولة العبرية، بل كانت لتقديم أوراق اعتماده، وفاتحة علاقات بين المرشح الذي أصبح رئيساً وزعماء الدولة العبرية. يذكر الجميع أن أوباما حاول بعد ذلك، في خطابين شهيرين في القاهرة واسطنبول التقرب من العالم العربي من خلال الإشادة بأخلاقيات الدين الإسلامي، وإطلاق الوعود بتسوية «عادلة» للمسألة الفلسطينية. لكنه فشل طوال سنوات حكمه في التقدم خطوة واحدة في هذا الإتجاه. رضوخه للضغوط اليهودية تجلى في مواقف كثيرة، منها تخليه عن مبعوثه الشخصي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشيل عام 2009. ثم موقفه من الحرب على غزة ومن تقرير غولدستون، وموقف إدارته الرافض عضوية فلسطين في اليونيسكو إلخ... «ليبارك الله إسرائيل»، كتب الرئيس السابق جورج بوش في دفتر «ياد فاشيم». ترجم ذلك أسلحة ودعماً مالياً وسياسياً. تجلى الدعم في الحرب على العراق وتفكيك الدولة العربية الأكثر قابلية للتصدي للمشروع الإسرائيلي. وفي الحرب على لبنان، في محاولة لتدمير المحور السوري - الإيراني. ما زالت المحاولة قائمة في عهد أوباما بأساليب أخرى. منها استغلال «الربيع العربي» للمحافظة على العلاقات القائمة بين بعض الأنظمة وإسرائيل وتوسيع ذلك حيث أمكن، وتغذية الحروب الأهلية الطائفية. هذا ما قصده أوباما حين تحدث عن قداسة الدولة العبرية، وعن المتغيرات الجيواسترتيجية خلال جولته لجمع التبرعات، وقبل لقائه نتانياهو. قال أوباما: «احد اهدافنا على المدى البعيد في هذه المنطقة هو ان نعمل في شكل لا يترجم فيه التزامنا المقدس تجاه أمن اسرائيل بتقديم القدرات العسكرية التي هي في حاجة إليها، او تأمين تفوقها العسكري في منطقة خطيرة للغاية فحسب، بل علينا محاولة اطلاق سلام دائم. وهذا امر صعب». لقراءة المقدسات وتأثيرها في المجتمعات والأفراد وتوجهاتها السياسية مناهج كثيرة، تاريخي، أنتروبولوجي، فلسفي... إلا مقدس الإدارات الأميركية فليس من منهج لقراءته سوى إخضاعه لمدى مطابقته المصلحة الإسرائيلية. سيلتقي أوباما نتانياهو متسلحاً بتصريحه عن قداسة إسرائيل، وبالكثير من مواقفه المؤيدة لتفوقها على العرب مجتمعين. نقطة الخلاف الوحيدة بين الرجلين هي مدى خدمة هجوم على إيران في هذا التوقيت مصلحة الدولة العبرية. أما باقي المسائل، من المستوطنات إلى الوعد بإقامة دولة فلسطينية إلى ضرورة التصدي «لانحراف الربيع العربي» عن مساره فكلها متفق عليها بين المؤمن بالقداسة ومن يمثلها.