لو قيّض لمؤسسة «كتاب غينيس» أن تختار أبطأ مسلسل تلفزيوني بوليسي في العالم لاختارت بلا تردد مسلسل «الأرملة والشيطان» (أل بي سي). فهذا المسلسل هو أهم نموذج درامي في فعل التطويل «البوليسي» والمطّ والتكرار، بل قد يكون فريداً في هذا النوع من الحبك «التشويقي» البطيء والمتكرر والرتيب والممل... وكان، وفق القصة التي يعالجها، مقدّراً له ألا يتجاوز الخمس عشرة حلقة، لكن المخرج، تمكّن، بسحر ساحر أن يتجاوز به الأربعين حلقة. حتماً هو المخرج الذي عمد الى هذا التطويل الفادح أو «المطّ» كما يقال، فالكاتب مروان العبد، أحد روّاد الكتابة الدرامية التلفزيونية في لبنان، لا يمكنه أن يوقع الجمهور في هذه الدوّامة الخاوية وأن يُفقد المسلسل القائم على فكرة جميلة هي ثنائية التوأمين، قيمته ودراميته، مهشّماً البنية الأساسية التي انطلق منها. مروان العبد، كاتب درامي رائد، يملك موقعه في حركة التأليف الدرامي، وكان جمهوره ينتظره بعد غياب، متذكراً عناوين مسلسلات له احتلت ذاكرته، لكن الخيبة كانت كبيرة، وأعتقد أن التبعة يتحملها مخرج المسلسل إيلي معلوف، الذي أساء الى النص بعدما أعاد بناءه وفق خطة تطويلية فاضحة، موقعاً إياه في الركاكة والسطحية. فكرة المسلسل، كما تمت الإشارة، جميلة، ترتكز الى الصراع بين شقيقين توأمين، أحدهما شرير ومجرم ومهرّب، والثاني شاب مستقيم وصالح، وقد فصل القدر بين هذين التوأمين، بعد الخلاف الذي نشب بين والدهما والوالدة، فهربت الأخيرة بواحد منهما يدعى جاد وهاجرت الى كندا وعاشت هناك وماتت. يرجع جاد الكندي الى لبنان بحثاً عن والده الحقيقي، فيجد أن شقيقه فؤاد، سطا على اسمه وعلى ميراث الوالد... وبدءاً من هنا تبدأ المعركة بينهما. لكن هذه المعركة ستفتح مصراعيها أمام أشخاص آخرين وأحداث أخرى، وفي مقدمها الأرملة المتهمة بقتل زوجها والتي تقع في حب جاد الحقيقي وتتزوجه وتشاركه معركته الخطرة...مع شقيقه التوأم. لا تحتمل هذه العناصر السردية ومن ضمنها العنصر البوليسي، أن تُعالج في 49 حلقة. فالأطر محدودة وكذلك السياقات السردية... لكن الإخراج هشّم لعبة الزمن والحبكة البوليسية والبناء الدرامي، وراح يطيل ويكرر، علماً أن الحلول التي يرتئيها في النهاية، كان يمكنه الإتيان بها باكراً. والفضيحة أن الجمهور الذي اغتابه المخرج ولم يبال به، بل لم يحترمه، كان على علم بهذه الحلول التي توفّر خاتمة سريعة للدراما. حتى رجال الشرطة والتحقيق بدوا بطيئين وبليدين، يذهبون ويعودون، ثم يقصدون مكان الجريمة مرة تلو مرة، ثم يعقدون الاجتماعات تلو الاجتماعات... أما المجرمون والمهرّبون فهم يتحرّكون بحرية حيناً وبالخفية احياناً، علماً أن الذرائع متوافرة والتهم واضحة وليس ثمة تشويق حقيقي... وأقول بصراحة إن المخرج في اعتماده هذا التطويل المملّ والمضجر أساء الى ممثلة قديرة نجحت كثيراً في أداء دورها وهي الممثلة وفاء طربيه، فجعلها تطل باستمرار وتكرر كلامها حتى اننا كجمهور، مللنا هذه الإطلالة التي أفقدت الممثلة براعتها وطرافة أدائها... كان المخرج يحتاج الى ملء الفراغ ولم يرعوِ عن التضحية بالممثلين وأدوارهم كما بالشرطة وحنكتها البوليسية، كما بالقصة نفسها. قد لا يحتاج مسلسل «الأرملة والشيطان» الى تحليل وتشريح نقدي، فهو على مقدار كبير من السطحية والانفلاش والركاكة، وقد أضاع المخرج فرصة التعاون هذه، بينه وبين كاتب مهم هو مروان العبد. لكن الحسنة الوحيدة في هذا المسلسل أنه كان أشبه بالمحك لممثل شاب هو يورغو شلهوب استطاع ان يخوض من خلاله تحدياً صعباً في أدائه دوري الشقيقين التوأمين، فكان جاد الشرير وجاد الصالح في لعبة تمثيلية متينة وبارعة. وقد تمكن فعلاً هذا الممثل من بناء شخصيتين مختلفتين في سلوكهما و «كاراكتيرهما» ومنح كل شخصية طباعها التي تستحق وتعبيرها المفترض. حتى ان الجمهور كان قادراً على التمييز بين الشخصيتين من خلال لعبة التعبير التي أجادها يورغو شلهوب. ممثل آخر حقق إطلالة مهمة هو طوني عيسى، الذي أدى دور المفتش الذي يقع في الحب ويسعى الى امتلاك خيوط الحبكة البوليسية. وكانت مفاجئة حقاً إطلالة الممثل القدير جورج قاصوف الذي أدّى دور النشال وزعيم النشالين... الممثلون الآخرون مشهود لهم أداؤهم الرفيع ومنهم مجدي مشموشي وورد الخال وخالد السيد وأنطوان حجل وعاطف العلم الذي أدى دور الخادم في بيت الأرملة الثرية، وسعى مع الخادمة الأخرى في المنزل إلى إضفاء الصفة «الأغاتا كريستية» على المسلسل... وهذه البدعة لم ينجح فيها المخرج بتاتاً، بل بدت مجلبة للسخرية. فجو أغاتا كريستي لا يقوم على تجهّم الخادم والخادمة اللذين كانا بمثابة سيد البيت وسيدته.