على رغم سير الشرق الأوسط حثيثاً نحو الغرق في التدخين بأشكاله كافة، إلا أن الجهود لدحر هذا المسار تسجّل إنتصارات مهمة أحياناً. وتساعد هذه الانتصارات على الخروج من أجواء التشاؤم التي تسيطر على أوساط مكافحي التدخين شرق أوسطياً، خصوصاً أنها تأتي مدعّمة ببحوث من مرجعية علمية موثوقة. فأخيراً، حضت «منظمة الصحة العالمية» على حماية الناس من التعرض لدخان المدخنين من طريق تنفيذ سياسات للحفاظ على الهواء خالياً من الدخان في المساحات كافة أو الأماكن العامة المغلقة. وفي هذا الإطار أحيت المنظمة الذكرى العاشرة لإعلان مكةالمكرمة والمدينة المنورة، مدينتين خاليتين من التدخين. إذ أصدرت المنظمة تقريراً عنوانه «مُدُن متحرّرة من التدخين من أجل هواء خالٍ من الدخان: دراسة حالة مكةالمكرمة والمدينة المنورة». ويُعتبر هذا التقرير بالغ الأهمية بالنسبة الى المدن والبلدان الأخرى التي تتطلع إلى إحراز تقدم ملموس في برامجها الرامية إلى الوصول إلى هواء خال من الدخان. وقد يستنهض النجاح الذي تحقق في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، إجراءات مماثلة، خصوصاً في المدن الإسلامية. تحرير الهواء جاء تقرير «مُدُن متحرّرة من التدخين...» ضمن 9 دراسات عن حالات مماثلة في التحرّر من التبغ. وشدّد على أهمية الالتزام السياسي في العمل محلياً على التوصّل إلى هواء خالٍ من الدخان، ودور المجتمع المحلي في حض الحكومات على اتخاذ الإجراءات المطلوبة في هذا الشأن، وتنفيذ حملات إعلامية لرفع مستوى الوعي بأهمية تحرير الهواء من دخان التبغ. وأورد التقرير دراسات تفيد بأن تعرّض غير المدخنين للدخان الذي ينفثه المدخنون يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية بمقدار يتراوح بين 25 في المئة و30 في المئة، وسرطان الرئة بما يتراوح بين 20 في المئة و30 في المئة، مشيراً إلى موت قرابة 600 ألف من غير المدخنين سنوياً، بسبب التعرض لدخان المدخنين. وعلّق الدكتور حسين عبدالرزاق الجزائري المدير الإقليمي السابق ل «منظمة الصحة العالمية» في دول شرق المتوسط، على التقرير قائلاً: «ليس هناك مستوى مأمون للتعرّض لدخان المدخنين... إن الحظر الكامل للتدخين في الأماكن العامة المغلقة والأبنية العامة جميعها، ومنها مؤسسات تقديم الطعام والشراب، هو الإجراء الوحيد الذي يمكنه حفظ صحة الموظفين العاملين في هذه المؤسسات، خصوصاً غير المدخنين». وأضاف الجزائري أن الاتفاقيات الدولية في شأن مكافحة التبغ تشير بوضوح إلى أن أفضل نُظم التهوية الحديثة لا تستطيع إزالة ملوثات الدخان، وهي ليست فعّالة في حماية الناس من دخان المدخنين. وأشار إلى دراسة حديثة أفادت بأن 38 في المئة من الأطفال، و35 في المئة من النساء، و24 في المئة من الرجال يتعرضون على نحو منتظم لدخان المدخنين في إقليم شرق المتوسط. فعلى رغم وجود التشريعات التي تحظر التدخين في الأماكن العامة في الكثير من بلدان الإقليم، إلا أن تفعيلها والامتثال لها ضعيف حتى عندما يفرض الحظر كاملاً. وأضاف الجزائري: «هناك حاجة ماسة لتخصيص مناطق محددة للتدخين. هذا الأمر يؤدي إلى تحسين الصحة العامة، ويخفض استهلاك الدخان، وليس له أثر اقتصادي سلبي على قطاع السياحة».