في الطريق إلى وسط عمّان ثمة بناية قديمة ينعكس شعاع الشمس من سطحها على وجوه المارة انعكاساً ذهبياً يشدك نحو سطح البناية، ويشدك أكثر حينما تدرك أن ما تراه هو مجسم لقبة الصخرة المشرفة بكل تفاصيلها الدقيقة وألوانها ومداخلها. قاد الفضول الكثير من الناس إلى سطح منزل الفنان التشكيلي الأردني نظام نعمة صاحب المجسم، ليستمتعوا عن قرب بعمل فني متقن، حيث تحول بيت الفنان نعمه المتواضع إلى ما يشبه متحفاً يتردد عليه العشرات يومياً للتأمل في التحفة الفنية. قبة الصخرة العمّانية، كانت أقرب من قبة الصخرة في المسجد الأقصى بالنسبة إلى عائلة فلسطينية جاءت من الأراضي الفلسطينية إلى عمّان لرؤية هذا العمل الهندسي البديع، وقد سمعت عن المجسم من أحد الأصدقاء المشتركين بينها وبين نعمة. لكن المفاجأة كانت حين حضرت سيدة طاعنة في السن، وتحملت عناء السفر من أجل رؤية مجسم قبة الصخرة. يصف نعمة المشهد بشيء من الحسرة والألم، ويقول إن السيدة الفلسطينية وفور رؤيتها قبة الصخرة المصغرة، انهمرت دموعها حزناً وشوقاً على القدس والمسجد الأقصى. ويتابع إن الموقف المحزن أثر في أفراد العائلة وراح أحد أبنائها يبكي أيضاً. يرى نعمة أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، لا بد من أن يقابله ما يبقي القضية الفلسطينية ورمزها قبة الصخرة حاضرين، وإن كان مجرد مجسم يزن 6 أطنان، استخدم فيه نعمة 1200 قطعة فسيفساء، و1820 قطعة نحاسية ورخامية، شغلت بدقة لامتناهية وحرفية عالية. ويصل ارتفاعه إلى 3 أمتار وثمانين سم، فيما تبلغ أبعاده 5 أمتار، غير أن الأهم من ذلك هو أن نعمة شغل هذه القبة المصغرة، وحده، وبيده، وكان يعمل ثماني ساعات يوماً، طيلة عام ونصف عام، وبكلفة 30 ألف دولار. ومن الواضح أن إنجازه لقي تفاعلاً وترحيباً شعبياً، فما من زائر إلا ويحرص على التقاط صور تذكارية إلى جانب قبة الصخرة، المزينة بالزخارف والآيات القرآنية، بينما يصعب عليهم التقاطها في القدس. ويعتبر نعمة أن هذا التفاعل الشعبي هو نجاح كبير لمشروعه، وأن رسالته في تحريك المشاعر تجاه المسجد الأقصى وصلت وستصل إلى كل من سيشاهد عمله، الذي ما زال حبيس سطح بيته. وهو يطمح إلى أن تتبنى جهة رسمية مجسم قبة الصخرة، وتضعه في أحد الأماكن العامة أو المتاحف، ليكون متاحاً للجميع، غير ان مطالبه التي لم تلق آذاناً صاغية حتى اللحظة. ويؤكد أنه لا يطالب بأي مقابل مادي للمجسم الذي أنفق عليه شخصياً، بل يسعى إلى إبقاء فلسطين في ذاكرة كل عربي، وإلى التذكير أيضاً بحق العودة لكل الفلسطينيين. مارس نعمة الذي يبلغ من العمر 57 سنة، هواية النحت منذ عام 1995، وبدأ في العمل على نحت مجسمات للحيوانات والطيور، ومن أهم أعماله مجسم النسر الموجود حالياً في أحد شوارع عمّان الغربية، إلا أن إنجاز مجسم قبة الصخرة هو الأقرب إلى قلبه، وإن يكن لا يزال معلقاً على سطح بيته الصغير.