عدن - رويترز، ا ف ب - وضع اليمنيون، عبر صناديق الاقتراع، البصمة النهائية لحكم الرئيس على عبدالله صالح الذي استمر 33 عاماً، واختاروا نائبه عبد ربه منصور هادي لخلافته في الفترة الانتقالية التي حددتها المبادرة الخليجية بسنتين. لكن الاقتراع الكثيف في الشمال قابله اقترع منخفض في الجنوب، بعدما تمكن الانفصاليون المعارضون للانتخابات الرئاسية من اغلاق نصف مراكز الاقتراع في عدن بالقوة، اضافة الى مراكز عدة في باقي المحافظات الجنوبية، وأسفرت اعمال العنف المرتبطة بالانتخابات في الجنوب عن مقتل وإصابة العشرات. وأكد مسؤول حكومي ان «نصف مراكز الاقتراع في عدن سقطت بعدما اقتحمها مسلحون من «الحراك الجنوبي» المطالب بالانفصال. وذكر شهود عيان ان الناشطين اقتحموا المراكز وهم يحملون اعلام اليمن الجنوبي السابق وصادروا صناديق الاقتراع وسط اطلاق النار في سائر انحاء المدينة التي كانت عاصمة دولة اليمن الجنوبي السابق. وقال مصدر امني ان مسلحي الحراك أطلقوا النار على مركز انتخابي في مدرسة البيجاني في حي كريتر في عدن اثناء تواجد المبعوثة البريطانية الى اليمن البارونة ايما نيكولسون. وذكر المصدر ان البارونة لم تصب بأذى، ولا يعتقد انها كانت مستهدفة، إلا أن اطلاق النار أسفر عن إصابة جندي وتضرر مركبة تابعة للأمن. واتهم الناشط الموالي للمعارضة البرلمانية والمؤيد للانتخابات خالد حيدان قوات الامن ب «التواطؤ» في ما يحدث في عدن. وقال لوكالة «فرانس برس»: هناك «تواطؤ امني واضح لقوات الجيش والامن بتسليم المراكز الى عناصر الحراك»، مشيراً الى ان هذه الحوادث تركزت في احياء الشيخ عثمان والمنصورة والمعلا». وغابت صناديق الاقتراع عن مناطق واسعة من محافظتي لحج والضالع الجنوبيتين حيث ينشط الحراك الجنوبي، كما سجلت اعمال عنف متفرقة واشتباكات بين القوات الحكومية والانفصاليين الجنوبيين المتشددين الرافضين لاقامة الانتخابات الرئاسية، بحسب مصادر امنية وناشطين. ووصف هادي، الذي كان المرشح الوحيد والتوافقي، الانتخابات بأنها الطريق الصحيح للمضي قدماً بعد شهور من الاحتجاجات على حكم صالح. وقال هادي في مركز اقتراع بعدما أدلى بصوته، إن الانتخابات هي الطريق الوحيد «من أجل الخروج من الأزمة والظروف الصعبة التي عصفت بالبلاد منذ مطلع العام الماضي». وجعلت الانتخابات صالح رابع حاكم مطلق في العالم العربي يترك المنصب خلال عام بعد انتفاضات في تونس ومصر وليبيا ايضاً. واصطف الناخبون في طوابير طويلة في وقت مبكر صباح أمس خارج مراكز الاقتراع في صنعاء، وسط اجراءات امنية مشددة. وقالت الناشطة اليمنية الفائزة بجائزة نوبل للسلام توكل كرمان، وهي تنتظر امام كلية جامعية في صنعاء للاقتراع «ان اليمنيين يعلنون الآن نهاية عهد علي عبد الله صالح وسيبنون يمناً جديداً». وقال مسؤول من اللجنة الامنية للانتخابات ان نسبة الاقبال بلغت نحو 80 في المئة لكن النتائج النهائية لن تعرف قبل يومين او ثلاثة ايام. ووقفت شاحنة صغيرة تحمل مدافع مضادة للطائرات وتمتلئ بالجنود امام كلية اخرى بجامعة صنعاء، في حين اصطف مئات الرجال للإدلاء بأصواتهم. وقال سمير رضوان، وهو طبيب في الثالثة والاربعين من العمر: «ربما لم يتغير النظام لكن الناس تغيروا... انها الخطوة الاولى تجاه التغيير الحقيقي». واضاف «كان صالح يأخذنا الى الجحيم... لقد اوقفناه وسنبدأ الان بناء يمن جديد». لكن الانتخابات لن تحسم مواجهة عسكرية قائمة بين أقارب صالح ولواء منشق ومسلحين موالين لشيوخ قبائل. ويشهد اليمن تمرداً مسلحاً في الشمال وحركة انفصالية في الجنوب حيث حقق اسلاميون متهمون بأن لهم صلات بتنظيم «القاعدة» مكاسب ميدانية ايضاً. ويقول الجنوبيون، الذين يتهمون الشمال بالاستيلاء على مواردهم والتمييز ضدهم، انهم يقاطعون الانتخابات لانها تضفي شرعية على عملية سياسية لا يشاركون فيها. ويهدد هذا الاحتمال بنزع الشرعية عن خطة نقل السلطة التي صاغها مجلس التعاون الخليجي بدعم من الولاياتالمتحدة وتتضمن بقاء نائب الرئيس عبد ربه هادي منصور في المنصب لعامين لصياغة دستور جديد واجراء انتخابات متعددة الاحزاب. وبدت شوارع مدينة عدن الجنوبية شبه خالية وأمكن سماع اطلاق نار متقطع، وقال سكان إن رجالاً مسلحين هاجموا مراكز اقتراع في المنصورة وخور مكسر في منطقة عدن وقت الفجر. وندد ناشطون شبان كانوا شاركوا في الاحتجاجات على حكم صالح، بالانتخابات مقدماً وهم يرون خطة انتقال السلطة اتفاقاً بين نخبة يعتبرونها شريكاً في جرائم ارتكبت في فترة حكم صالح، بما في ذلك قتل المحتجين المشاركين في الانتفاضة ضد حكمه. وبعدما دعمت واشنطن الرئيس السابق صالح لوقت طويل كخصم لفرع «القاعدة» في اليمن الذي خطط لهجمات فاشلة بالخارج، تساند الآن الانتقال لضمان ان يكون لها شريك في حربها ضد «القاعدة» التي تشمل تنفيذ عمليات اغتيال باستخدام طائرات من دون طيار. وقال السفير الاميركي في صنعاء جيرالد فيرستاين، إن ايران تثير الاضطرابات في المحافظات الشمالية في اليمن، حيث حاولت قوات صالح دون جدوى قمع المتمردين الحوثيين. وتتفق هذه التصريحات مع اتهامات من الدول المجاورة لليمن، بأن طهران تسعى الى زيادة نفوذها الاقليمي من خلال طابور خامس شيعي. ودعا السفير ايضاً الى اعادة توحيد جيش يقود فيه احمد علي نجل صالح ويحيى ابن شقيق الرئيس السابق وحدات اساسية تتمتع بدعم الولاياتالمتحدة. ويخوض الاثنان مواجهة مع الزعيم القبلي صادق الأحمر واللواء المنشق علي محسن اللذين حولت معاركهما مع المؤيدين لصالح مناطق في صنعاء الى انقاض. وأشار هادي الى تلك الانشقاقات في رسالة الى الأمة قبل ساعات من التصويت، وأكد ضرورة معالجتها لتجنب ان يصل اليمن «الى ما وصلت اليه الصومال تشرذماً وتفككاً ودماراً». وأضاف: «لا يمكن الحديث عن وطن مستقر من دون اعادة الحياة لوضعها الطبيعي وازالة المظاهر التي تم استحداثها كافة، ابتداء بإنهاء الانقسام الحاصل في الجيش». وتواجه الحكومة الموقتة ازمة مالية وإنسانية، وطلبت مساعدات دولية ببلايين الدولارات لتجنب الانهيار في دولة تسبب الاضطراب بها في شلل شبه كامل لصادرات النفط المتواضعة التي تمول واردات المواد الغذائية. وقدر صندوق النقد الدولي ان الاحتياطات الاجنبية لليمن انخفضت الى 2.7 بليون دولار العام الماضي. وقال صندوق الاممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) ان 57 في المئة من اطفال اليمن البالغ عددهم 12 مليوناً يعانون سوء التغذية بصورة مزمنة، وهو اعلى مستوى خارج افغانستان، وأن نصف مليون طفل يمني يواجهون الموت او التشوه. ورأى مبعوث الاممالمتحدة لليمن جمال بن عمر، ان الانتخابات الرئاسية ليست إلا بداية لطريق «صعب وشائك» رسم ملامحه اتفاق انتقال السلطة الذي جنب اليمنيين الانزلاق الى الحرب الاهلية. وقال «ان اليمنيين ادركوا انه لا يمكن ان يكون هناك غالب ومغلوب، وفي المقابل قام المجتمع الدولي ومجلس الامن والاممالمتحدة بالمساعدة على التوصل الى الاتفاق السياسي».