لم يعد المواطن السعودي يبحث عن واسطة لمقابلة بعض المسؤولين التنفيذيين، الذين كان يجد إجابة واحدة من مديري مكاتبهم حين يراجعهم، أو يتصل بهم هاتفياً «المدير مشغول في اجتماع». فالإعلام الجديد جعل هؤلاء المسؤولين «تحت الطلب». ليس خلال ساعات الدوام الثمانِ فقط، بل 24 ساعة. واستقطبت صفحات التواصل الاجتماعي «توتير» منذ انتعاشها بين السعوديين قبل سنتين، فئات وشرائح مختلفة، لها حضورها وثقلها، بقصد عرض رؤيتهم. من بينهم الكثير من المسؤولين والوزراء والشخصيات الاعتبارية، إضافة إلى مشاهير الإعلام والفن وكرة القدم، الذين أصبحوا يحضرون في «تويتر» أكثر مما يحضرون على مكاتبهم الرسمية، أو أستوديوهاتهم، أو ملاعبهم. ومع «تويتر» لم يعد حق التغريد حصراً على فئة أو مجموعة من المسؤولين والشخصيات البارزة، ما شكل رأياً واحداً على مستوى الإعلام والمنابر، إذ جاء الإعلام البديل (الجديد) ليكسر كل هذه القواعد، ويفتح الباب على مصراعيه أمام كل من يريد أن يعبر عن رأي، أو يقول كلمة، وسيجد من يستمع إليه. وأزاح هذا التنوع الحاصل ب«تويتر»، الستار عن الكثير من الأصوات التي لم تكن حاضرة من قبل في المشهد المحلي. كما اقتنص الشباب هذه الوسيلة، لتصبح فرصة للنقد والبوح، واعتبار «تويتر» الممثل لصوتهم الذي غيبه الإعلام الرسمي، ما حوله إلى ساحة إلى «جلد الذات» والمسؤول والتشريعات، والظواهر الاجتماعية، مستغلين سرعة نقل المعلومة والمناقشة حولها. ويشير مغردون إلى أن المسؤولين الذين دخلوا ساحة «تويتر»، «حاولوا أن يعززوا من حضورهم، ويتخففوا من عبء المسؤولية والوجاهة، عبر مخاطبة الجمهور مباشرة. وكشفت جمالية هذه الخطوة، التي وجدت ترحيباً من الجميع، البون الشاسع بين الطرفين، سواء في طريقة التفكير، أو التعامل مع الأحداث، أو حتى الصدقية، التي اهتزت بينهما». ولم يسلم «تويتر» من حمى أمراض المجتمع الشائعة، مثل الشللية، والطائفية، والقبلية، والعنصرية، ليجسد المجتمع بكل عيوبه في هذا العالم، على رغم كل المحاولات التي تُبذل لإيجاد مشهد نقي خالٍ من كل تلك التراكمات، ومنها ثقافة «المعاريض»، إذ استغل أصحابها وجود حسابات لبعض الشخصيات التي اُشتهرت بتقديم المساعدات للمحتاجين، والتواصل معها في «تويتر»، طلباً للمال، عبر إظهار العوز والحاجة وقلة الحيلة. إلا أن «تويتر» استطاع أن يحطم الخصوصية التي يتقاتل المجتمع على الحفاظ عليها، والتمسك بها حتى الرمق الأخير، إذ يقابل «تويتر» داخله بسؤال: «ماذا تفعل الآن..؟» لذلك لم يعد من المستغرب أن ينقل أحد المغردين تفاصيل يومه، وماذا أكل وأين ذهب؟ من دون يجد ذلك استنكاراً من متابعيه، خلافاً لرد الفعل فيما لو حدث ذلك على أرض الواقع، إذ سيُصنف ذلك بأنه «خروجاً عن العادات والتقاليد». «تسجيل الحساب» ... يحمي من «الانتحال»