كانت الرسالة جلية مختصرة، هل هناك أوضح من: «ارحل»؟ لكن المرسل إليه لم يتعود تسلّم مثل هذا، في العادة هو لا يفض رسائله بنفسه، هناك فلتر بغشاء دقيق يقوم بالمهمة. توقع البعض أن شرارة البوعزيزي خاصة بتونس، اهتم القذافي لحظتها ببيان الخصال الإيجابية للجار الهارب، كذب حينما قال قولته الشهيرة: «التونسيون لن يجدوا أفضل من بن علي»، انشغل القذافي ببيت بن علي عن بيته فذهب معه إنما بطريقة أبشع وأكثر امتهاناً، شرارة البوعزيزي كانت البداية، نعم، لكن المنعطف الكبير لحريق الأنظمة السياسية العربية جاء بعد انتقال العدوى، حينما أحرق مصريون أنفسهم وبوعزيزي التونسي قدوتهم، عندما وقف نفر صغير منهم أمام السفارة التونسية في القاهرة، محتفلين مهنئين مطبلين، كانت لحظة انتشار عدوى الثورة، وفي التلفزيون الرسمي «المفلتر» قيل عن المحترقين... «مرضى نفسيون»، وأبرز مذيع أوراقاً قال إنها تقارير طبية. كأنه يقول: لدينا مناعة من العدوى. بعد تزايد زخم الثورة المصرية قال الرئيس بشار الأسد إن سورية مختلفة، قول قاله مبارك قبل حشود ميدان التحرير، وأكده القذافي بمئات في الساحة الخضراء. فشلت الأنظمة العربية فشلاً ذريعاً في التنمية طوال عقود، كان تاج الفشل بارزاً في عدم احترام قيمة الإنسان. تستثنى خاصة الخاصة. تمت تربية أذرع الأنظمة على تهميش تلك القيمة، كلما بالغت بذلك قدمت لها الأوسمة. في مقال له قبل يومين نشرته «الحياة»، قال المعارض السوري فايز سارة إن مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق، زار سورية في الخمسينات، وتمنى أن تصبح ماليزيا مثلها! مصر كما قرأنا عاشت مثل ذلك في زمن مضى، التنمية في العالم العربي تسير الى الخلف، انظر خلف المباني الشاهقة، ماليزيا الآن تبز كل الدول العربية اقتصاداً وسياسة، بموارد أقل. لم يكن شح الموارد في العالم العربي هو السبب، إنما انحصار التنمية في تضخيم الثروات للدائرة الصغيرة حول الديكتاتور، وتوزيع الفتات على بقية الشعب، لم يحترم الإنسان فنهض ليسترد احترامه. وسورية «العصية» كما يقول الإعلام الرسمي في دمشق على الطريق نفسه تسير، لكن، في كل مشهد متقدم من مشاهد الثورات العربية يصبح الثمن للرحيل أفدح وأكثر دموية. بشار الأسد يحذر من نوايا لتقسيم بلاده، متناسياً شراكته في التقسيم كما كان شريكاً في القسمة، تأكيداً لحقيقة أن أجراس البوعزيزي مع حشود الساحات والميادين لم تُسمع من به صمم. www.asuwayed.com