لم يقتصر الأمن والأمان على الأشخاص الزائرين للحرم المحكي فحسب، بل يشمل أيضاً «الحمام» الذي ينتشر في ضواحي مكةالمكرمة وأرجاء البيت الحرام، ليكون حاله أشبه ب«واثق الخطى يمشي ملاكاً» داخل ساحات الحرم المكي التي تنافس أشهر الساحات العالمية تجمعاً لأسراب الحمام، ليعيش ويموت بسلام. وما أن يقترب الزائر لبيت الله من الحرم المكي حتى يرى أسراب الحمام تجول حول المسجد ومآذنه، وما إن تحط قدميه على ساحة الحرم حتى يستقبله الحمام من حوله بوقفة الواثق، وحين يقترب من «صحن الطواف» تأسر ناظريه مشهد الحمام وهو يطوف حول الكعبة المشرفة ووقوفه عند موضع السجود بين المصلين بأمان لا يصاحبه خوف، حتى أصبح وجوده معلماً من معالم مكةالمكرمة. صور «حمام الحرم» بعدسات الزوار والحجاج تتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتشارك في معارض الفنون والتصوير. «حمام رب البيت» أو «حمام الحمى» كما أطلق عليه أهل مكة، والذي نسج معهم ومع حجاج بيت الله الحرام حكايات تتخللها الألفة والمحبة حتى بنى أعشاشاً داخل قلوبهم، وشاركهم العيش على الأرصفة والطرقات وعلى أسطح البنايات، إذ إن غالبيتهم يحمل في جيبه كيساً صغيراً من الحب ليطعم به الحمام بغية الأجر والثواب، وأصبحت قصصه تروى في دول العالم من خلال حديث الحجاج. «عيش وملح» بين الحمام وأهل مكة كما أفاد العم عبدالرزاق محمد (80 عاماً) خلال حديثه إلى «الحياة»، وزاد بقوله: «إن للحمام قصص مع أهالي مكةالمكرمة، أطعم من طعامنا وشرب من مائنا، فبعد صلاة الفجر أصعد إلى سطح المنزل لأضع لهم الحب والماء وأتأمل منظرهم واستمع إلى صوتهم، حتى ألفتهم». وأضاف: «منذ صغرنا ونحن لا نخاف الحمام، إذ اعتدنا عليه من خلال تحبيب أبائنا له من خلال تقديم الحب والماء حتى خارج المنزل على الأرصفة وعند الحرم الذي يكثر فيه الحمام بشكل كبير»، مشيراً إلى تعجب الحجاج خلال قدومهم لموسم الحج من منظر الحمام وطريقة تعايشه مع أهالي مكة. وحُصن «الحمام» ذو اللون الرمادي المائل إلى الاخضرار بتحريم قتله وفعلته تستوجب الدية، إذ لا يجوز قتل حمام الحرم سواء أكان للمحرم أم غيره، ومن فعل ذلك فعليه فدية مقدارها شاة، كما لا يجوز تنفير حمام الحرم عن مكانه استناداً إلى قوله صلى عليه الصلاة والسلام: «ولا ينفر صيده». واختلفت الآراء عن أصل حمام الحرم، إذ يرى بعضهم أنه يعود إلى الحمامتين اللتين عششتا على الغار أثناء هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان جزائهما أن يعيشا هما وذريتهما آمنتين في الحرم، فيما ذكر آخرون أنه من سلالة طير الأبابيل التي أتت من البحر بالحجر ورمت أبرهة الأشرم عندما عزم على هدم الكعبة. ونظراً إلى كثرة مخلفات الحمام وشروع زوار بيت الله الحرام في رمي الحب، كثفت أمانة العاصمة المقدسة جهودها من خلال توفير عدد كبير من فرق النظافة، كما صرح بذلك أمينها الدكتور أسامة البار خلال حديثه إلى «الحياة»، كاشفاً أن الأمانة تدرس حالياً تجارب لتطبيقها بما يقلل من السلبيات الموجودة، إذ قال: «هناك دليل من جامعة الملك عبدالعزيز يقدم أفضل التطبيقات التي طبقت لتقلل من السلبيات الموجودة».