أعلن مثقفون وسينمائيون مصريون رفضهم التوجهات الرقابية الجديدة للسلطات المصرية، بعد منع عدد من المسلسلات الرمضانية، منتقدين دعوة المجلس الأعلى للثقافة صناع السينما إلى "الالتزام" بالوقائع التاريخية الموثقة، وعدم "تقديم صورة مشوهة لأخلاقيات المجتمع المصري". وندد المخرج السينمائي داود عبد السيد بالتوجهات الجديدة للسلطات في مجال الرقابة، والتي "تجعل من مفهوم الأخلاق المطاط سيفاً مصلتاً على رؤوس المبدعين". وطالب الدولة بأن "تلتزم ضمان حرية الرأي والتعبير وألا تصادر عملاً فنياً او تلفزيونياً كما حصل في الاونة الأخيرة". وعمدت السلطات في الآونة الاخيرة إلى منع عرض مسلسل "أهل الإسكندرية"، لتصويره ضابطاً فاسداً في الشرطة، وسبقه منع فيلم "حلاوة روح" لأسباب "أخلاقية". وكان كاتب السيناريو بلال فضل أعلن لوكالة "فرانس برس" الشهر الماضي أن مسلسل "أهل الاسكندرية" لن يعرض بسبب "ضغوط أمنية". وفاقم من حدة القلق في صفوف السينمائيين والمثقفين إصدار المجلس الأعلى للثقافة بيانا السبت الماضي "يرصد بقلق التجاوزات التي يقع فيها بعض صناع الدراما التلفزيونية"، مندداً بما اعتبره "عدم الالتزام بالوقائع التاريخية الموثقة وتقديم صورة مشوهة لاخلاقيات المجتمع المصري". وكان "صديق العمر"، من أكثر المسلسلات إثارة للجدل من الناحية التاريخية لهذا العام مسلسل وهو يتحدث عن علاقة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وصديقه المشير عبد الحكيم عامر الذي قتل في ظروف غامضة. وأثار المسلسل مسائل لم تكن حتى الآن تطرح إجمالا في الأعمال الدرامية عن الحقبة الناصرية، منها تفاصيل علاقة كبار المسؤولين في الدولة مع الوسط الفني، والتوتر الذي شاب العلاقات بين الضباط السوريين والضباط المصريين ابان الوحدة القصيرة بين البلدين، والأبعاد الشخصية التي حكمت الكثير من المواقف السياسية، ما أثار استياء المتعاطفين مع الحقبة الناصرية من كتاب وإعلاميين ومسؤولين سابقين. لكن البيان لم يأت على ذكر هذا المسلسل أو غيره، بل دعا مؤسسات الدولة "للقيام بمسؤوليتها" ووضع ميثاق شرف مهني و"إبراز الجوانب الإيجابية في الحياة المصرية". ورأى الناقد طارق الشناوي أن توقيت اصدار البيان جاء في الوقت "الذي تريد الحكومة المتصادمة مع المثقفين أن تجعل من كبار المثقفين المصريين في صدام مع المعترضين على تدخل الدولة والحكومة في حرية الإبداع". وعادت قضية الرقابة على السينما إلى الواجهة في الشتاء الماضي عندما أثار الفيلم الأميركي "نوح" حفيظة الأزهر في مصر بسبب تجسيد النبي نوح، وهو ما حال دون عرضه في الصالات المصرية بعد جدل طويل. وأضاف الشناوي "استكلمت الوزارة الجديدة المهمة عندما تراجع وزير الثقافة الجديد جابر عصفور عن عرض فيلم "نوح". وقبل ذلك كشفت الدولة عن توجهها المحافظ عندما قرر رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب سحب فيلم "حلاوة روح" الامر الذي أدى الى استقالة رئيس الرقابة أحمد عواض اعتراضا على القرار. من جهته، رفض الناقد والشاعر سيد محمود "توسع الرقابة (..) تارة باسم حماية الأخلاق وتارة باسم مواجهة الارهاب". بدوره، رفض الروائي عزت القمحاوي ما تضمنه بيان المجلس الأعلى للثقافة معتبراً "إقحام خطر الارهاب" في البيان "استمرارا لتوظيف الثقافة في خدمة السلطة الذي بدأ منذ نصف قرن"، مشيراً إلى أن "النظام السياسي لم يتغير والنظام الثقافي جزء منه".