ليس كشفاً القول إن الإعلامين المرئي والالكتروني، لعبا دوراً كبيراً ومهمّاً واستراتيجيّاً في ثورات «الربيع العربي». كما ان الدور السلبي والمضاد، الذي لعبه إعلام الانظمة الديكتاتوريّة المخلوعة، ساهم، هو أيضاً، ولو في شكل غير مباشر، عبر التعتيم والتضليل والتشويه، في اطاحة نفسه وأنظمته الحاكمة. لكن، ولأن قطاع الإعلام، باعتباره على اتصال مباشر مع «الرؤوس الكبيرة» في دائرة صنع القرار السياسي والامني والعسكري في أي نظام استبداديّ، سيكون بعض المسؤولين في هذا القطاع، على اطلاع ودراية بخفايا الامور، وبالكثير من التفاصيل الحسّاسة، تحديداً، العدّ التنازلي لعمر الانظمة الديكتاتوريّة حتى لحظة انهيارها. وفي هذا الإطار، اجرت الإعلاميّة نجوى قاسم، حواراً موسّعاً، مع عبداللطيف المناوي، المدير السابق لقسم الأخبار في مؤسسة الاذاعة والتلفزة المصريّة، إبان نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وبثّته قناة «العربيّة» على جزءين، في برنامج «مقابلة خاصّة». وكان المناوي، ألّف كتاباً بعنوان: «الأيّام الاخيرة لمبارك»، سرد فيه تفاصيل مهمّة حول الايّام الثمانية عشرة الاخيرة من عمر النظام المصري السابق، وصدر حديثاً لمناسبة مرور سنة على الثورة المصريّة. خلال كشفه ما في حوزته من معلومات ومعطيات، اعطى المناوي، عبر سرده للأحداث وتفاصيلها، من زاويته، ووفق مصادره وحجم اطلاعه، مثالاً عن الاعلامي، الموضوعي، والملتزم، بقضايا الوطن وهموم المواطن، في المراحل الانتقاليّة، الحساسة من عمر الشعوب والمجتمعات والبلدان، ولو كان هذا الإعلامي، ضمن مؤسسة تابعة لنظام ديكتاتوري شمولي. وأثناء سرده للوقائع، بالتواريخ الدقيقة، كان المناوي، يفكك الأحداث ويربطها ويحللها، ويحلل شخصيّاتها، (وتحديداً حسني جمال مبارك، حبيب العادلي، احمد عز، احمد نظيف، المشير طنطاوي، أنس الفقي...) تحليلاً نفسيّاً، فائق الجودة والعمق، مستنداً الى المعطيات والمعلومات المتوافرة لديه، من خلال شبكة العلاقات الواسعة التي تربطه بطيف واسع من رموز النظام السابق وأقطابه، والمعارضة المصريّة في آن، مضيفاً إليها انطباعاته وتقويماته الشخصيّة، بين الحين والآخر. وأتت توصيفات المناوي، او أحكام القيمة التي أطلقها على الأحداث والأشخاص، ذات وقع أو رنين أدبي مكثّف، تنمّ عن بروز شخصيّة الأديب في شخصيّة الإعلامي. أمّا قاسم، فأدارت الحوار، في شكل ناجح، عبر هدوئها المعتاد، وطرح اسئلة استنتاجيّة، وأخرى استنطاقيّة، أتت، كهوامش على متن المحاور التي حددتها هي، سلفاً، لتثيرها مع ضيفها. والحقّ أنه، لم يبقَ إلاّ رفد هذا الحوار السلس والشيّق حقّاً، بمادّة توثيقيّة (مشاهد فيديو، صور فوتوغرافيّة، صور بيانات...)، حتّى يأخذ هذا الحوار الاستحضاري، الاستيعادي، للأحداث وتفاصيلها المعروفة، وغير المعروفة، منحى المادّة التلفزيونيّة الوثائقيّة. بالتالي، أتت «مقابلة خاصّة» مع عبداللطيف المناوي، بنكهة الوثائقي، كونه تناول فترة مضت وصارت جزءاً من التاريخ، كأحد شهود الحقل الإعلامي. ذلك ان الكلام عن احداث وقعت في الماضي القريب او البعيد، يأتي في صيغة وثائقيّة، بصرف النظر عن وجهات النظر، ومدى قربها او بعدها من الحقيقة. حاصل الكلام، حديث الإعلام عن الإعلام، او خوض البرامج التلفزيونيّة في ما وراء كواليس تلفزيون آخر، بالتأكيد، سيكون منطوياً على كل عناصر التشويق، بخاصّة إذا تناولت تلك الايّام الاخيرة من عمر نظام ديكتاتوري، من طينة النظام المصري السابق. ولا غرابة في كشف المناوي ان في حوزنه كميّات كبيرة من ملفات الفيديو، ترصد كيفيّة العمل في التلفزيون المصري، وماهيّة تعاطيه وتغطيته لأحداث الايّام والساعات الاخيرة من عمر نظام حسني مبارك، يمكن اعتباره كنزاً وثائقيّاً، تلفزيونيّاً ثميناً، ربما يدخل ليس فقط صناعة الاشرطة الوثائقيّة، بل في صناعة الدراما والسينما السياسيّة أيضاً.