ارتكبت جرائم رهيبة في الحرب الأهلية الإسبانية بين عامي 1936 و1939. ولم تعرف هذه الجرائم الطريق إلى القضاء والمحاكمة. ولا يعرف أحد على وجه الدقة عدد الذين اعتقلوا، وعذبوا، وقتلوا. واليوم، يلاحق القضاء واحداً من أبرز قضاة التحقيق الإسبان، بالتَزار غارازون، لإقدامه على التحقيق في تلك الجرائم. والديموقراطية راسخة في إسبانيا. لكن صدى عصر فرانكو التوتاليتاري الاستبدادي يتردد اليوم في محاكمة القاضي غارازون التي بدأت الأسبوع الماضي. وهو يواجه اتهامات جنائية قد تقصيه عن عمله طوال 20 سنة لتحديه قانون العفو الصادر في 1977 لتذليل عثرات عملية الانتقال إلى الديموقراطية. وهو مصيب في رأيه القائل بأن القانون الدولي لا يجيز العفو عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم اختفاء قسري، يعتبرها «مستمرة» لم تطو بعد. وثمة آلاف القبور الجماعية في إسبانيا لم تنبش بعد. في 2008، بدأ القاضي غارازون التحقيق رسمياً في هذه الجرائم، وأمر بفتح 19 مقبرة جماعية، ووجه الاتهام الرمزي إلى الجنرال فرانسيسكو فرانكو وعدد من الضباط السابقين، وكلهم وافتهم المنية، بتهمة اختفاء أكثر من مئة ألف شخص. وأغلقت محكمة استئناف ملف التحقيق. وفي 2009، ادعت مجموعتان من أقصى اليمين السياسي أمام القضاء على غارازون، واتهمته بانتهاك قانون العفو. والمدعي العام رد القضية، ولم يرَ جرماً في ما أقدم عليه القاضي هذا، لكن المحكمة العليا قبلت الدعوى. ويُلاحق غارازون في ملفين سياسيين آخرين، على رغم أن ملاحقة القضاة أو «محاكمة أحكامهم» أمر نادر في إسبانيا، وقد يقوض استقلال السلطة القضائية والفصل بين السلطات. وذاع صيت غارازون إثر تحقيقه في قضية الإرهابيين الباسك، ومقاضاته جلادي التعذيب في الأرجنتين، وديكتاتور تشيلي السابق، الجنرال أوغوستو بينوشيه، وسياسيين إسبان. واليوم يرى خصومه النافذون فرصة سانحة للاقتصاص منه. مقاضاة القاضي غارازون لنبشه جرائم عهد فرانكو هي جريمة في حق العدالة والتاريخ، ولم يفترض بالمحكمة العليا الإسبانية قبول هذه الدعوى. واليوم المحكمة هذه مدعوة إلى تبرئته وحماية القضاء من تعسف السياسيين. * افتتاحية، عن «نيويورك تايمز» الاميركية، 4/2/2012، اعداد منال نحاس