أتابع بكثير من الاحترام والتقدير جهود هيئة مكافحة الفساد لإبراز دورها عبر وسائل الإعلام، على رغم المناوشات غير المفيدة التي قد تضطر لممارستها أحياناً مع بعض الجهات الحكومية، كما حدث مع وزارة الصحة أخيراً، فعلى الهيئة الوليدة أن تعتاد على ردود أفعال بعض الجهات التي تريد أن تؤكد أنها «تعمل» حتى بعد اكتشاف عمليات فساد مرعبة تُمارس تحت مظلتها. قبل أيام أعلنت هيئة مكافحة الفساد عن رقم هاتف جديد يوضح للمتصل به آلية تقديم البلاغات ضد الفاسدين في مختلف الجهات الحكومية، وهي خطوة جيدة في الطريق الصحيح، لكن ما يجب أن يعرفه الجميع أن مكافحة الفساد ليست «رقماً هاتفياً» فقط، وأن الاعتماد على البلاغات وحدها غير كافٍ لمحاربة الفساد، فهذا الجهاز بحاجة لكوادر ميدانية رقابية ترصد بشكل مباشر أي عملية فساد في أي إدارة حكومية، وهذه الكوادر متوفرة من دون أن تسجل الهيئة أي مصروفات إضافية على مصروفاتها، بمعنى أن الهيئة ليست بحاجة لتوظيف أعداد مهولة من الناس لمراقبة الجهات الحكومية في مناطق ومحافظات المملكة كافة، فهناك طريقة عصرية على الهيئة أن تفكر جدياً في توظيفها لخدمة أهدافها، وهي تتمثل في فتح باب التطوع للموظفين في مختلف الجهات على أن يعمل المتطوع مع الهيئة، الذي هو موظف في الأساس، بشكل سرّي، ويؤدي القسم الذي يؤديه موظف الهيئة، والمملكة ولله الحمد مليئة بالموظفين الحكوميين الشرفاء الذين يؤذيهم أن يشاهدوا الفساد يستشري في أماكن عملهم، وبالطبع لابد من أن تكون هناك محفزات لكل موظف حكومي اختار أن يعمل متطوعاً وبشكل «سرّي» لمصلحة هذا الجهاز الوطني، وهي محفزات بسيطة ومستحقة، كالتكريم بخطابات الشكر، أو مكافأة عبارة عن نسبة بسيطة من المبالغ التي كانت ستذهب لجيوب الفاسدين، لولا كشفه عنها، وبهذه الطريقة يمكن تفعيل دور هيئة مكافحة الفساد بشكل يفوق التوقعات، ويحبط سرقة الملايين من الأموال العامة. إنني أدعو رئيس هيئة مكافحة الفساد بكل محبة وتقدير إلى العمل من الآن على تأسيس إدارة خاصة للمتطوعين «السرّيين»، ووضع لائحتها التنفيذية بالتشاور مع المختصين بالأنظمة والقوانين والبدء فعلياً في الاستفادة من الكوادر الوطنية العاملة في مختلف أجهزة الدولة، وعدم الاكتفاء ببلاغات المواطنين، فمن المعلوم أن كثيراً من المواطنين ورجال الأعمال قد يجدون أنفسهم مضطرين لدفع رشاوى للفاسدين لإنجاز معاملاتهم التي ربما تكون غير نظامية، وهم بذلك سيكونون متورطين، ما يمنعهم من الإبلاغ لسببين رئيسين، أولهما: الخوف من العقوبة التي تنتظره، وثانيهما: الخوف من تعطل أو إلغاء المعاملة المنجزة. أيضاً هناك نقطة مهمة لابد من الإشارة إليها، وهي أن الفساد ابن غير شرعي لزواج البيروقراطية ب«المال»، فلو كان لدى الهيئة مئات أو آلاف المتطوعين السريين في الأجهزة الحكومية، وتم الكشف عن كثير من معاملات الرشاوى فستتبين لها الأسباب الحقيقية التي تدفع المواطن للالتفاف على الأنظمة، وتدفع الموظف الفاسد لاستغلال الأنظمة لملء جيوبه بالمال العام، وبالتالي يمكن علاج الأنظمة والإجراءات التي تُستخدم ك«سلالم» للفاسدين، والحد من عمليات الفساد بأفضل شكل ممكن. [email protected] @Hani_AlDhahiry