قد لا يدرك البعض أن السلوك السلبي أو الإيجابي هو ناتج عن ثقافة مكتسبة، وليست فطرية، فالثقافة العامة التي تحيط بالإنسان من عدة اتجاهات هي التي تحدد سلوكه الشخصي، ونمط حياته المعيشية إذ إن هناك علاقة طردية بين الثقافة والسلوك، وما يحدث من فساد وتلاعب في أموال الدولة هو بلا شك ناتج عن تلك الثقافة السلبية المكتسبة، التي مصدرها صاحب السلطة والقرار، الذي يعد قدوة للعاملين معه؛ لأنه عندما يرى الموظفون أن رئيسهم أو مديرهم يتبنى أفكاراً لمشاريع وهمية وانتدابات واجتماعات مطولة وخارج الدوام.. الخ، تتولد لديهم قناعة أن المال العام الذي يصرف من خزينة الدولة ويذهب لجيوب هؤلاء المسئولين من دون وجه حق، لهم حق فيه؛ لأنه في اعتقادهم أنه مال ضائع (أما لك وإلا للذيب) كما يقول العامة. ولهذا فإنه لا بد من التصدي لخطر هذا السلوك السيئ من قبل القنوات الفاعلة في المجتمع، وقد أبديت مقترحاً لمعالي رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يتمثل بالإشراف المباشر من قبلهم على مصروفات الدولة، التي تخص المشاريع الإنشائية وعقود المشتريات، وكذلك غرس جذور الهيئة في عمق المصالح الحكومية من وزارات وإدارات ومستشفيات، وفتح مجال التطوع لمنسوبي الإدارات الحكومية مع الهيئة لمدة لا تقل عن سنة، بحيث من يثبت جدارته منهم خلال هذه المدة يرشح عضواً في هيئة مكافحة الفساد، ومندوباً لها في جهة عمله. لأننا في هذا الوقت أشد ما نحن فيه لوقف التلاعب والاستغلال الذي تشهده عقود المناقصات لمشاريع البناء التحتية، وعقود المشتريات والتوريدات، التي تحتسب بإضعاف تكلفتها. كما أن هناك أمراً آخر أشرت إليه، وهو عدم اعتماد هيئة مكافحة الفساد على البلاغات التي يتقدم بها المواطنون؛ لأنها من وجهة نظري غير مجدية في الوقت الحالي، خصوصاً أن المواطن كانت له تجربة سابقة مع مثل هذه البلاغات، وأخذ موقفاً منها عندما أثبتت فشلها مع عدة جهات حكومية، ومنها هيئة حماية المستهلك. ولا بد أن تكون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إن أرادت أن تفرض سيطرتها على الوضع المتأزم، أن تلزم أي جهة ترغب في طرح مشروع ما أو تأمين مشتريات لأي جهة كانت، أن تزود الهيئة بصورة من ملف هذه المشاريع والمشتريات لدراستها وتدقيقها من قبل الهيئة قبل طرحها للمنافسة، ووضعها تحت المجهر منذ البداية. * باحث في علم الجريمة