قال المحامي والمستشار القضائي الدكتور أحمد الصقيه إن الأصل في المحاكمات هو «علنية» الجلسات و «نشر الأحكام» وليس الانتقاء منها ما لم يرى القاضي سريتها وبخاصة ما يتعلق بالعلاقات الزوجية، مؤكداً أن ذلك من «ضمانات العدالة والشفافية». وكشف الصقيه عن وجود «علاقة مشحونة» بين القضاة وبين المحامين فيها شدّ وجذب فيما الأصل أن تكون قائمة على التعاون، مطالباً بإصلاح هذه العلاقة، ولافتاً إلى أهمية دور المحامين، قبل أن يشير وجود باب كامل في الشريعة يتعلق ب «رد القاضي». ووصف الصقيه المحامي بأنه أشبه ب «مهندس» القضية، بمعنى أنه من يوجهها ببيان دعواه وبالمبدأ القضائي الذي استند عليه، فيما يعدّ القاضي «مقاول» القضية ومنفذها الذي يبنيها وفق ما يهندسه المحامي، وله أن يختار الحكم وفق ما يراه وظاهر الحال، والدعاوى المقدمة والدفوع، قبل أن يحكم، على رغم أن القاضي مأمور بالبحث عن أحكام مشابهة بدلاً من التفرد برأي جديد. جاء ذلك في محاضرة قدمها الصقيه الذي شغل سابقاً منصب المشرف على إدارة العلاقات العامة والإعلام بديوان المظالم عن «الثقافة الحقوقية» في النادي الأدبي بالرياض مساء أول أمس (السبت) ضمن فعاليات منبر الحوار الذي يشرف عليه الدكتور خالد الرفاعي. وأكد الصقيه الحاجة للوعي الحقوقي سواء للمتخصصين أياً كانت صفاتهم، أم للعموم، إذ لا يمكن أن نحمي حقاً يجهله صاحبه. وقال إن الوعي بالحقوق والحرص على إشاعتها وأن تكون متأصلة في النفوس وتتربى عليها الأجيال هو الخطوة الأولى لبناء مثل هذه الثقافة، فمثل هذا جعل دولة مثل سنغافورة تنهي 90 في المئة من القضايا في محاكمها بالوساطة والتوفيق عبر مكاتب وشركات وجهات تنمي الوعي الحقوقي للمتقاضين، وكذلك الحال للأردن إذ تصل النسبة 80 في المئة، مضيفاً أنه من المهم بعد الوعي بالحقوق، الوعي بحمايتها، فحقوق الناس محكومة بالمشاحة، فيما حقوق الله محكومة بالمسامحة، ولا بد أن يكون ذلك بمعرفة الحق وحمايته بتوثيقه، إذ انه للأسف تختلط الأمور عند كثيرين ما بين الثقة والتوثيق، مطالباً الأفراد ضرورة التأمل قبل الدخول في معاملات تجارية ومالية أو كفالات؛ فليس عيباً طلب المهلة للتفكير، وليس عيباً الامتناع إذا ما شعرت أن التوقيع يحملك فوق قدرتك وملاءتك. وفي المحاضرة كشف الصقيه عن وجود أوهام لدى كثيرين وبخاصة المرأة في ما يتعلق بالتقاضي، مؤكداً أنه حق مكفول للجميع، ومن الوهم اشتراط أن يكون للمرأة محرماً لتتقاضى، أو حتى معرفاً، بل حتى أن كشف وجهها مطلوب، مستنداً إلى رأي الحنابلة في جواز كشف المرأة وجهها لأجل التأكد في حالة العيب في المبيع. وقال: «من باب أولى أن تكشفه إذا ما اضطرت المرأة للتقاضي، على رغم أنني أفضل تفعيل «نظام البصمة» للنساء. واستشهد الصقيه حول القضايا التي يجهلنها النساء بالولاية والقوامة، اذ يحصل فيها كثير من الخلط، فالولاية ليست دائمة بل تسقط عن الولي وتحوّل للقاضي متى ما أخل بشروطها، كما أن القوامة هي لإدارة الحياة الزوجية، وتسقط متى أفرط فيها استخدامها. ولفت إلى أن مثل هذا الخلط وضعنا أمام تصور خاطئ تماماً من أن الإسلام لم يراع حقوق المرأة، مؤكداً أنه كرمها وراعى حقوقها وحفظها، بل هو أساس لكل ما ينفعها والشريعة كلها عدل. وأوضح أن المرأة كثيراً ما تتسبب في ضياع حقها بسبب خوفها من طلبه، أو جهلها به وعدم وعيها بضمانه، مرجحاً أن ذلك يعود ربما لضعفها، قبل أن يستشهد بقصة أكاديميات وأستاذات يدرّسن الحقوق للطالبات كن خائفات من جو المحكمة في زيارة قمن بها، فكيف بهن إذا ما ترافعن أو حتى تقاضين. وأثار الصقيه في المحاضرة عدداً من التساؤلات حول قضايا المرأة مثل عقد النكاح ذي النسخة الواحدة! وحق الزوجة إذا ما تشاركت في بناء أو شراء سكن مع الزوج وحصل طلاق، كما قدم مقترحات تتعلق بعقوبة السجن التي أكد أنها في الأصل عقوبة بديلة بذاتها، مثل التلويح بها أو تأجيلها في حال تكرار الجرم، قبل أن يضيف إلى أننا لا نجد غضاضة في البحث عن بدائل له، فطالما لا نملك «نصاً» حول جرم ما، فإننا ندرك أن روح الشريعة إنما تحث على الإصلاح لا عقوبة السجن ذاتها التي كشفت الدراسات أن 70 في المئة من المحكومين به يعودون له، إضافة لأثره النفسي.