هناك اتفاق على قوة انتماء المواطن المصري لبلاده، وتوهج عاطفته الدينية، وكذا الطيبة المعروفة عن شخصية ابن النيل، فأين كل هذا مما يحدث، هل خرج المصري الطيب من المشهد بعد الثورة؟ وهل حل مكانه شخص آخر «غلس» وبلطجي! كلما استقرت الامور نسبياً في مصر وقعت حادثة مؤلمة والقتلى بالعشرات، فهل ما يتفجر الآن هو مخزون متراكم من الغضب والقهر على مدى سنين طويلة من الاستبداد، أم هناك «كمائن» أخرى. والملاحظ كثرة عدد القتلى والمصابين في الأحداث الأخيرة، في حين أن الشخصية المصرية غير معروفة بالعنف الجسدي، فالعنف اللفظي والصوتي هو الغالب، ولدى المصريين أمثال شعبية كثيرة تقدم التسامح على الانتقام و«الاشتباك»، تحاول إطفاء شرارات العنف بالوقاية والعزل، والأمثال مخزون تجارب الشعوب، يقول المثل المصري «حوش دا عن دا» يرتاح «دا من دا»، و «دا» هي ذا أو هذا، والمستغرب أن السلطات المصرية في هذه المرحلة «لم تحوش دا عن دا». لا ننسى أنها ضعيفة ومرتبكة وفقدت الكثير من هيبتها، لكن الأوضاع المرشحة للتفجر تدفع للإصرار على الوقاية. الدولة المصرية في خطر. أي تجمعات يحتمل استغلالها يجب التعامل معها، نقلها، إلغاؤها. والمستغرب أيضاً أن مشجعين لفريق منتصر يعتدون على المهزوم، كأن الهزيمة الكروية لا تكفي. نعم، يذكر أن حكم الرئيس المبارك قبل خلعه وتنحيه، همش بورسعيد وتعامل معها بدونية في مواقف عدة، بل حرمها من بعض المنافع الاقتصادية، لكنهم الآن أمام حكم ونظام جديد. تتناهب مصر الآن قوى متعددة ويكثر الحديث عن فلول النظام السابق، إلا أن المستفيد الأول والعاشر مما يحدث في مصر هو عدوها الأول، الذي احتل أرضها وقتل أبناءها واعتمد على الأميركي لفرض اتفاقية كامب ديفيد السيئة الذكر عليها. إن الأصابع الإسرائيلية غير بعيدة عما يحدث في مصر، مهما تناثرت بعض التعليقات وبحثت «مراكز الدراسات»، واشتعلت جمعيات ما وراء البحار، لتشتت الانتباه، ليس من مصلحة إسرائيل على الإطلاق قيام حكم تعددي مستقر في مصر فهي أكبر الخاسرين، لأنه سيكون أكثر دفاعاً عن مصالح بلاده من حكم مبارك المتخاذل، فهل يمكن لإسرائيل الوقوف صامتة مكفوفة اليد، وهي من خبر المجتمع المصري وتغلغل فيه طوال عقود التطبيع واستهدف حتى ما يزرع ويأكل. لذلك أيها المصري الطيب قم واظهر وبان، لا بد أن تتسيد المشهد وتطرد «الغلس والغتت والبلطجي». www.asuwayed.com