فتر اهتمام المستثمرين الدوليين بقطاع إنتاج الأدوية على نحو يثير التساؤلات في شأن الاستراتيجيات التي سيتبعها القطاع، ومن ضمنها في سويسرا، لإقناع المستثمرين باستمرار ثقتهم في كل شركات الأدوية، التي لم تفقد أملها بعد إزاء مستقبل أفضل لها ولموظفيها، الواقعين اليوم في أوضاع حرجة ربما ترميهم في شوارع البطالة بين ليلة وضحاها. ويواجه القطاع أزمة حادة لجهة فاعلية الأدوية المنتجة والمسوقة، ومنها تلك المخصصة لمكافحة البدانة، ما يزعج المستثمرين بل يغضبهم. كما بات واضحاً أن مردود الأبحاث لدى الشركات الضخمة ضئيل. ولإقناع المستثمرين بدفع أموالهم في إنتاج الأدوية لا بد لهذه الشركات من رفع درجة صدقية أبحاثها وفاعلية أدويتها. ويجب ألا ننسى أن صحة المرضى وأرباح المستشفيات والأطباء معلقة على خطط الشركات الضخمة للأدوية الرامية «نظرياً» إلى تقليص كلفة إنتاج الأدوية من جهة، وكسب ثقة المستثمرين والمرضى والهيئات الصحية في أسرع وقت من جهة أخرى. لا شك في أن النمو الاقتصادي المتوقع حتى عام 2020 سيتراوح بين 3 و 5 في المئة في الدول الصناعية المتقدمة، وفي أن قطاع الأدوية الغربي سيساعد على تحريك قاطرة هذا النمو. لكن، يبدو أن استراحة الشركات المنتجة للأدوية لفترة قصيرة مع المستثمرين، لتوضيح بعض الأمور الحساسة أمام الأطراف المعنيين، مبادرة ضرورية لإعادة وصل شبكات العلاقات والتحالفات بين الجميع. إذ قفزت كلفة إنتاج الدواء الواحد خلال عشر سنوات فقط، وطبعاً بعد خوض الأبحاث وإجراء التجارب عليه، من 0.9 بليون دولار إلى 1.3 بليون. علماً أن لا علاقة لهذه الكلفة بمدى تفاعل الأسواق والمرضى معاً، إزاء هذا الدواء المحتمل فشله في إرضاء طموح الشركات المنتجة. على الصعيد السويسري، يمكننا القول إن الكلفة الكلية لإنتاج الأدوية في السنوات العشر الأخيرة، قفزت من 25 بليون فرنك سويسري عام 2001 إلى50 بليوناً عام 2011. ولم يحظ جزء من الأدوية الجديدة بثقة مؤسسات الرعاية الصحية ولا بثقة المرضى. وتترجم هذه الكلفة المحروقة منذ نشأتها، بصدمة مباشرة في صفوف المستثمرين، وهم ليسوا سويسريين حصراً. واستناداً إلى فئة كبيرة من المحللين السويسريين، توجد علاقة متينة بين سلامة موازنات أي شركة أدوية وعدد الموظفين والباحثين، الذين يُسرّحون سنوياً من دون سبب منطقي. وكلما احتدت موجة التسريح ساءت موازنات كهذه وتحطمت آمال المستثمرين، ما يحض الشركات على تقليص نشاط البحوث فضلاً عن بذل أقصى الجهود لاحترام الالتزامات مع المستثمرين، خصوصاً لجهة عدم «اللعب» كثيراً بتوزيع الأرباح السنوية على حاملي الأسهم. وللتفاعل جيداً مع الأوضاع، ومع ما تفرضه الأزمة المالية من وقائع مريرة على العالم، قررت شركة «فايزر» الأميركية مثلاً، تقليص نشاطاتها البحثية بنسبة 25 في المئة. فيما قررت شركتا «سانوفي» و «ايلي ليللي» تلزيم هذه النشاطات لمختبرات خارجية، وشركتا «أسترا زينيكا» و «غلاكسو سميث كلاين» عزل الباحثين في قسم خاص لا يتطلب منهما تكاليف خيالية. في حين تتجه شركة «نوفارتيس» السويسرية إلى إرسال باحثيها ضمن خطط تقشف الى بعض الدول الآسيوية للإشراف على تطوير الأدوية واختبارها وإنتاجها هناك. وتركت شركة «روش» وراءها نشاطات بحثية للتركيز على تقوية فاعلية أدويتها حصراً، بما أن تكاليف هذه النشاطات قفزت 16 في المئة دفعة واحدة العام الماضي. وتنظر شركات القطاع العملاقة دورياً، الى بارومتر معروف مالياً باسم «ريتورن أون اينفيستمنت» (ROI) أي المردود على المبلغ المستثمر والذي ينتظره المستثمرون من شركات كهذه. وبما أن هذا المردود أضعف من أي وقت مضى، لا يمكن شركات إنتاج الأدوية إلا اتباع تقشّف قاس يخولها مواصلة بيع الأدوية. لكن، ستجبر هذه الشركات على التخلص من نحو 90 في المئة من نشاطاتها البحثية التي كان متوقعاً ان تدر أرباحاً ضخمة نظراً إلى علاقتها المباشرة مع إنتاج أدوية ذكية وفاعلة من الجيل الجديد، لمحاربة الأورام الخبيثة في المقام الأول.