رأس المال سيد القرار في كثير من دول العالم، وفي أماكن أخرى، يظل السياسي هو سيد اللعبة والمتحكم في تسيير القرار السيادي، الحركة الاقتصادية إلى حد ما، ووسائل الإعلام بشكل أو بآخر. في كلتا الحالتين، هناك تفاضل بين القوى يسمح بخلق تيار معاكس للقرار المهيمن بمستويات مختلفة. فالسياسي في الدولة الرأسمالية يستطيع أن يحد من تأثير رأس المال في بعض الميادين. وبالمنطق نفسه، يستطيع صاحب رأس المال ممارسة الضغط على السياسي والحد من هيمنته الكلية في الدولة «السياسية». وبذلك يكون هناك قوى مختلفة التأثير باختلاف المكان، تمارس نوعاً من أنواع مشاركة السلطة وصياغة القرارات المتخذة والمحاسبة. ومخالفاً لهذه القوانين، لا تزال هناك أماكن في العالم يجمع فيها البعض بين رأس المال والقوة السياسية، مكونين قوة غير عادية تتحكم بشكل كلي في شتى أمور الحياة، ابتداءً من القرار السيادي إلى أسعار المنتجات في السوق. نتيجة لذلك الدمج، تزداد مركزية القرار وتقل المحاسبة ويستشري الفساد، وينتهي الأمر بأن يصبح السياسي المتحكم برأس المال شخصاً يعلو على القانون ولا تستطيع حتى قوى السوق أن تحكمه أو تؤثر فيه. في «الربيع العربي»، تبين بشكل لا يدع مجالاً للشك بأن اختزال القوة السياسية ورأس المال ودمجهما في أهل زوجة الرئيس، وأولاد الرئيس، وإخوان الرئيس هو السبب الرئيس لمشكلات تلك البلدان. ففي مصر، على سبيل المثال، ظهر بأن معظم قضايا الفساد كان متكماً عليها، لأن المتورطين فيها هم من أصحاب الصيت السياسي، لا يوجد لعنة أكثر خطراً من ذلك السياسي الغني الذي يستطيع أن يوظف قوانين الدولة وتحركات السوق لخدمة مصالحه أو مصالح حزبه أحادياً. الهدف الرئيس من فصل القوى السياسية والاقتصادية ليست خلق جو مشحون من التوتر بين الطرفين، بل خلق مجال للتعاون الذي يثمر عنه اتخاذ القرار الذي يخدم مصلحة الدولة والسوق - من دون تفضيل أحدهما على الآخر. وإن كان التنافس بين القوى بحد ذاته إيجابياً، إلا أن وجود مصالح مختلفة ترسم القرار يمكنها من استيعاب معطيات أكثر وبالتأكيد الوصول إلى القرار الذي يجانب الصواب أكثر من غيره. ففي السياسة، أثبت التاريخ أن الدولة الناجحة هي تلك التي ترسم القرار بعد استشارة الشرائح المختلفة من المجتمع. كذلك في الاقتصاد، السوق التي تخدم مصالح السياسي الغني هي سوق مجحفة بحق الجميع. هناك قوة كافية ليتشاركها الجميع، وهناك قرارات كافية لتتوزع بين أهل السياسة ورجال الأعمال والاقتصاد وفطاحلة الاكاديميا. الدمج لن يثمر بأي حال من الأحوال عن قرار صحيح يخدم مصلحة أكثر من شخص أو حزب واحد. آن الأوان أن تنتهي تلك المسميات الطويلة التي تجمع ما بين «صاحب المعالي»، و«سعادة الشيخ»، و«المستشار»، و«المفكر» في آن واحد. * كاتب سعودي. [email protected]