المعركة المحتدمة الآن بين كافة أطراف المعادلة السياسية في الأردن هي قانون الانتخاب وإن كان ظاهرها في بعض أماكن الاحتجاج على ارتفاع الأسعار والدفاع عن الأغلبية الصامتة المسحوقة التي تأبى إلا أن تبقى صامتة على قهرها وظلمها وما يلحق بها من استبداد وتهميش واستعلاء بالتطاول والإساءة. تعلم الأغلبية أن مراكز قوى القرار في الأردن تنحصر في رجال الديوان والمخابرات، وبعض الأسماء المتنفذة التي استطاعت أن تبني قوة ضغط سياسي واقتصادي من خلال إشغالهم مناصب متوارثة، قيادية وسيادية، على مرّ عقود اتسمت بالضعف السياسي والاقتصادي، نشأ عنه تمايز طبقي، وتبدو السلطة التنفيذية أداة من أدوات مراكز القوى و ليست نتاج توجه وقرار شعبي. أما مجلس النواب (السلطة التشريعية)، هو أيضا أحد أدوات مراكز القوى، فهو نتاج عمليات ممنهجة ليقوم بتنفيذ رؤية مراكز القوى وحمايتهم من خلال التشريعات والقوانين، وهو في تقديري لا يمثل الشعب الأردني ولا يحمل توجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يتبنى الدفاع عن مصلحة الوطن العليا وبالتالي مصلحة الشعب وهويته. مراكز القوى (الديوان والمخابرات) أيضاً تخضع لصراع بين مجموعة قوى في داخلها جميعها لا يمثل مصلحة الوطن والشعب، حيث يرتبط بعضها بأفراد متنفذين لهم أجندات يسعون إلى تمريرها، لا تخدم إلا مصالحهم، وتسعى هذه القوى من خلال مراكزها للتحكم بمسار الإصلاح بما يحافظ على نفوذهم واستمراريتهم في مواقع القرار. وفي الجانب الآخر هناك القوى السياسية التقليدية سواء من خلال أحزابها أو اللجان والجبهات التي يشتركون فيها أو من خلال النقابات التي يسيطرون عليها، حيث بدأت هذه الأطراف معركتها بارتفاع صوتها من خلال عودتها إلى الحراكات الشعبية المطالبة بالإصلاح الشامل ومحاسبة الفاسدين، من منطلق اعتقادهم أن قوة الشارع التي يقودونها، لا أحد يستطيع التنبؤ إلى أي مدى قد تصل في اندفاعها، وما هي حدود الحد الأدنى المقبول لتوقفها! الإسلاميون، لا أحد ينكر أنهم القوة السياسية الأكبر والأكثر حضوراً وتأثيراً في الشارع، حيث أدخلهم التغيير الحكومي مرة أخرى إلى زخم الحراك، ولكن هذه المرة بشكل أكبر وبسقوف عالية جداً قد تجاوزت كل الخطوط، بينما كانوا سابقاً يرفضونها حتى إنهم قد تبرأوا منها في زمن التوافقات والصفقات السياسية في عهد حكومة الخصاونة غير المأسوف على رحيلها. الإسلاميون يعلمون ماذا يريدون، فمن يدخل المعركة يعلم لأجل ماذا يقاتل، طموحهم قانون انتخاب يحقق لهم أغلبية برلمانية، وهذا ما يريده الشعب الأردني بكافة أطيافه، فهتافهم لا يتعارض مع النهج الاقتصادي الذي ساد حكم الدولة عقدين من الزمن، ما يهتفون ضده هو الفساد الذي رافق هذا النهج، بمعنى أنهم لا يتعارضون مع برنامج التحول الاقتصادي الذي يعتمد على السوق الحر والخصخصة وإنما يحتجّون على الفساد الذي رافق ذلك، وبالتالي فإن أي تغيير مقبل (يتوافق مع تطلعات الإسلاميين) لن يغير من واقع الجموع البشرية معيشياً! الإسلاميون يسعون في حقيقتهم إلى إصلاح، يعتبر في واقعه إصلاح نخب برجوازية سياسية، يمنحهم اقتسام كعكة السلطة، من خلال تنافس قانوني حُرّ مع نخب الحكم، دون المطالبة بإسقاط النهج الاقتصادي النيوليبرالي الذي ساد العقد الماضي، حيث أفقد الدولة مقدراتها وملحقاً بالوطن كارثة اقتصادية واجتماعية. (في زمن حكومة أبو الراغب وعند رغبة الحكومة بيع البوتاس لشركة كندية كان اعتراض الإسلاميين في مجلس النواب ليس على مبدأ بيع مقدرات وطنية وإنما على مبدأ البيع لمن يدفع أكثر). الشعب الأردني في غالبيته يريد إسقاط نهج الذين أوجدوا التمايز الطبقي، طبقة هي الأقلية، متنفذة ومسيطرة على الاقتصاد والمال والقرار، بالتشارك مع رأس المال الأجنبي تحت مسمى الخصخصة والاستثمار، والطبقة الأخرى هي المهمشة في المحافظات والأطراف حيث تم إفقارها واغتصاب سُلطتها، هذه الجموع تريد الاستقلال الفعلي بتحرير الإرادة السياسية، للسيطرة على التنمية ومحاربة الفساد الذي أصبح ممنهجا ومقننا، والتحول نحو نهج وطني اجتماعي ديموقراطي بعودة القطاع العام المترافق مع تشريعات جديدة منظمة لعمله تحقق العدالة والمساواة بين الأفراد والمناطق وقادرة على المحاسبة للمحافظة على المال العام والمقدرات، من خلال عملية ديموقراطية لدولة مدنية تتيح للجموع البشرية من التنظيم الحر والمنافسة بعيداً عن المقايضة على حريته في الاختيار مقابل إمكانية العيش بالمكارم والأعطيات و الصدقات!