صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية لم يكن مستغرباً أن يُعلق موقع BBC على كاريكاتير يُظهر روبرت مردوخ وهو يُحرك السياسيين البريطانيين كدمى بين يديه، بالقول: ""عُرف عن روبرت مردوخ في بريطانيا بأنه ""صانع الملوك والنجوم""، نظراً لما له من سطوة وأثر كبيرين في إيصال السياسيين إلى كراسيِّهم أو إنزالهم عنها متى شاء"". فالإعلام لم يعد سلطة رابعة مهمتها الرقابة، وكشف ما يجري في جميع مكونات المجتمع من فساد، كما لم يعد الإعلام إحدى أذرع السلطة تحركه متى شاءت، بل أصبح الإعلام شريكاً في السلطة، وقادراً على إدارتها باتجاه مصالحه، وأصبحت قوته التي كان من المفترض أن تكون مسخرة لما فيه مصالح المجتمع، مسخرة لخدمة من يدير اللعبة الإعلامية من ساسة ورجال مال وأعمال. لهذا فما جرى في بريطانيا من فضيحة التجسس على الهواتف التي يقف وراءها صحافيون يعملون في صحيفة ""نيوز أوف ذي وورلد"" التابعة لإمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية، ستكون لها تداعيات كثيرة تطول رؤوس عديد من الساسة، كما ستكون بداية فضائح أخرى مرتبطة بهذه الإمبراطورية التي تضخمت إلى حد أن أصبحت المتحكمة في مسار الإعلام في عديد من دول العالم. هذه الفضيحة حتى ولو حاول البعض في بريطانيا إيقاف تداعياتها، إلا أن وسائل الإعلام البريطانية المنافسة، التي تضررت كثيراً من توسع مردوخ داخل السوق الإعلامية في بريطانيا لن تسكت، وستسعى إلى متابعة إثارة هذه القضية إلى أقصى حد ممكن. وتداعيات هذه القضية قد تمتد إلى الولاياتالمتحدة، ولا يمكن أن يوقفها تحميل صحيفة المسؤولية وإيقافها، أو استقالة عدد من المتورطين، ولا حملة اعتذار تنشر عبر مختلف وسائل الإعلام، فعملية التجسس على الهواتف الجوالة التي طالت أكثر من أربعة آلاف شخص، بمن فيهم ابن رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون، لن تتوقف تداعياتها عند هذا الحد، وهي تكشف أن الإعلام، حتى في الدول المتقدمة، يقوم بأدوار خطيرة، لا علاقة لها بمهمته الأساس. وإذا تجاوزنا ما حدث في بريطانيا وانتقلنا إلى عالمنا العربي وراقبنا المشهد الإعلامي، خاصة الدور الذي تقوم به بعض القنوات الفضائية، لوجدنا أن بعضها يقوم بدور خطير لا علاقة له بالإعلام، فبعض هذه القنوات أصبحت تقوم بدور مكشوف في تحديد مسار ما يجري في أجزاء من عالمنا العربي من أحداث، بل تضخم أوضاعاً في دول أخرى، لخلق وضع مضطرب يجري إشعاله من خلال التركيز الإعلامي عليه. لقد تجاوزت بعض القنوات الفضائية العربية الدور المنوط بالإعلام، وأصبحت واجهة لقوى عديدة بعضها عربي والآخر إقليمي ودولي، ومهمة هذه القنوات الدفع بالأمور إلى التصعيد، باتجاه معين يخدم مصالح وأهداف تلك القوى. والغريب أن بعض هذه القنوات لم تكتف بهذا الدور، بل سعت إلى صنع ثوار ومناضلين وقادة معارضة، كانوا إلى وقت قريب ضيوفاً على برامجها الحوارية، والآن يُقدمون كقادة للمرحلة المقبلة في بعض الدول العربية.