نهر العاصي وسدوده متهمة بالتواطؤ ضد السوريين اللاجئين الى الأراضي التركية، الذين يتهمهم النظام في دمشق بإثارة الشبهة الأولى على القمع. بدل القمع، يقال، سيول لإغراقهم. الوزيرة هيلاري كلينتون قرأت جيداً تاريخ سورية، ومن مجلس الأمن تحرّض تجارها والجيش على «تحالف» جديد، ضد النظام. لم تنسَ العلويين في تعدادها الأقليات التي تريدها متساوية في دولة لا تُفكك. أما الوزير سيرغي لافروف ففضّل صقيع موسكو على حرارة الصراع في مجلس الأمن، فيما الصراع على سورية ودورها أغرى الكبار الآخرين بالمجيء الى نيويورك. ومع بدء المشهد الأول للتدويل، ارتفعت الستارة عن مواكب أكبر لجنازات سوريين، يشيّعهم العنف بمزيد من القتل، مزيد من الرصاص والعويل... مَن يسمع؟ حوار الدم يتعالى ضجيجه، وفي نيويورك الروس متهمون برهانٍ على الوقت، حوّل المفاوضات على مشروع القرار العربي– الغربي، إلى حوار طرشان. كلينتون تريد حواراً بين تجار سورية وجيشها، من دون أن يسمع النظام. رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني لم يترك مجالاً للشك في طلاق مع «حكومة تقتل شعبها»، ولكن ألا يسعى العربي، الأمين العام للجامعة العربية إلى حوار بين هذه الحكومة ومعارضيها؟ الجميع مقتنع بأن سورية لن تكون ليبيا، لكن حوار الطرشان مرشح للتمديد الى الأجل الذي يحصد مزيداً من أرواح المدنيين والعسكريين، موالين ومعارضين. كلينتون تراهن على التجار، لافروف يدير حوار الطرشان من موسكو. فالكرملين هذه المرة لن يبتلع «خديعة ليبيا»، وعضّ الأصابع لا يرجح ولادة قريبة لقرار مجلس الأمن «السوري». المشروع العربي– الغربي يستبعد الخيار العسكري والعقوبات وحظر السلاح، رغم دعوة حمد بن جاسم الى تشديد الضغوط الاقتصادية على النظام في دمشق. عقدة موسكو الوحيدة تبدو في بند «التفويض» لنقل صلاحيات الرئيس الى نائبه، والصيغة لا تشير إلى «التنحي»، لكن قلق الروس من أصابع «الخديعة» الغربية يشطب احتمال قبولهم ذاك البند. أي حل وسط إذاً بين المشروع الذي يستعير من «النموذج اليمني» مخرَج التفويض، والصيغة الروسية التي تستخدم مع المعارضة السورية مطرقة الحوار؟ ألا يساهم الأمين العام في تجديد «عصيان» المعارضة على الجامعة العربية حين يحذّرها من السقوط في شراك توهم «العصا السحرية لمجلس الأمن»؟... وحين يتحدث عن حتمية خريطة طريق الى «مصالحة سياسية ووطنية» لا تكون إلا مع النظام، ولو بنسخته الإصلاحية؟ ... وإذا أصرّت المعارضة على رفض ورقة الحوار الذي تريده دمشق «غير رسمي» في موسكو، فتزرع لغماً آخر بين المناوئين للنظام، أيُّ وسيلة ستوقف القتل فيما الذين يسميهم النظام «عصابات إرهابية» ينجحون في استدراجه إلى ردود ذعر. الحل «الأمني» يستنسخ جولات من الدم، والأكيد أن حوار الطرشان لن يشهد نهاية قريبة، فاحتمالات أي صفقة مع الروس لإرضائهم، وتبديد صمودهم في مواجهة «الخديعة»، ما زالت غامضة المعالم: لا الغرب يقبل بمقايضة سورية بإيران، ولا الدرع الصاروخية الأميركية تبدو ثمناً كافياً للكرملين. «لا» الثالثة الحاسمة هي حتماً أن أي قرار يتبناه مجلس الأمن لإدانة العنف وتبرئة الغرب من العجز أمام ما يسميه «القتل الوحشي» للمدنيين، لا يملك تلك «العصا السحرية» لإنقاذ سورية والسوريين، ولا حتى لإرضاء المعارضة، ووقف انزلاق الجميع إلى حقبة التدمير والخراب الشامل. «لا» رابعة ايضاً قد تكون مرجحة إذا فشل الرهان العربي– الغربي على تليين تصلّب الروس، ولجأ العرب الى منظمة التعاون الإسلامي، لعلها تتيح غطاء لدورٍ تركي ما، كما تفيد مصادر ديبلوماسية. فلا ضمانة تحول دون غرق المنظمة في المستنقع السوري، ولا يمكن تركيا أن تتجاهل الرد الإيراني وعواقبه، إذا بادرت الى تنفيذ مشروع «المنطقة العازلة». حوار الطرشان صاخب... حوار الدم أسود.