أعربت فرنساوالولاياتالمتحدة الاميركية والمانيا وبريطانيا عن تحفظاتهم على مشروع القرار الذي تقدمت به روسيا الى مجلس الامن الدولي حول الازمة السورية، معتبرين انه «من غير المقبول المساواة بين قمع النظام السوري ومقاومة الشعب السوري». واوضحت هذه الدول ان المشروع الروسي يحتاج إلى «تعديلات» كى يكون «أكثر توازناً»، مشددين على ان مشروع القرار بنصه الحالي «يتضمن عناصر لا يمكن دعمها». لكن الناطق باسم الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش، قال امس ان موسكو لن تغير موقفها حول هذه النقطة. وقال الناطق في تصريحات نقلها التلفزيون الروسي، إن «هذا المشروع موضوعي ومتوازن ويتضمن اشارة واضحة الى النظام والمعارضة في سورية لضرورة التحاور استناداً الى مقترحات الجامعة العربية». وأضاف ان «هذا الطلب يتعلق بالمتطرفين الناشطين في سورية والذين يدين النص الروسي انشطتهم». وأثار تقديم مشروع القرار الروسي حول سورية تكهنات بوقوع تحول في موقف موسكو. وأبلغت «الحياة» مصادر روسية أن روسيا «تشعر بخيبة أمل بسبب عدم توقيع دمشق البروتوكول الخاص بإرسال مراقبين». وجاء توقيت طرح المشروع الروسي مفاجئاً على الرغم من أن وزير الخارجية سيرغي لافروف كان تحدث قبل يومين عن أن «المشروع الروسي–الصيني مازال مطروحاً على الطاولة للمناقشة». ولم تستبعد أوساط في موسكو أن تكون الضغوط القوية التي مارستها واشنطن خلال الأسبوع الأخير، وتكثفت من الجانب الأوروبي خلال قمة «روسيا-الاتحاد الأوروبي» التي انعقدت في بروكسيل خلال اليومين الماضيين، دفعت موسكو إلى السعي لتحريك النقاش داخل مجلس الأمن. لكن مصدراً روسياً تحدثت معه «الحياة»، حذَّر من «التسرع في الخروج باستخلاصات»، باعتبار أن نسخة المشروع المقدم «لم تحمل جديداً على الموقف الروسي»، لجهة أنها تضمنت ادانة متكافئة للنظام والمعارضة السورية، وإصراراً على عدم تضمين القرار المقترح إشارات إلى فرض عقوبات. كما أشار إلى أن الموقف الروسي حول ضرورة أن يتضمن أي قرار يصدر عن مجلس الأمن بنداً صريحاً يحظر كل انواع التدخل العسكري في سورية. لكنه لفت في الوقت ذاته، إلى أن موسكو «تشعر بخيبة أمل عميقة»، لأن دمشق لم تستجب لنصائح متكررة بضرورة التعامل مع «الحل العربي» والمسارعة إلى توقيع البروتوكول الخاص بإرسال مراقبين إلى سورية. وقال إن لافروف ومسؤولين روساً آخرين، نقلوا رسائل واضحة إلى الحكومة السورية في الفترة الأخيرة بأن «عليها أن تتعامل مع المبادرة العربية بإيجابية، وأن هذا أفضل مِن نقل الملف إلى مجلس الأمن». كما اقترحت موسكو المشاركة في ارسال مراقبين روس إذا طُلب منها ذلك، في مسعى لحمل دمشق على تقديم رد ايجابي، لكن الروس «شعروا أن دمشق ترفض استقبال مراقبين عرب أو غير عرب». ولفت الناطق إلى أن «التعنت السوري يحرج موسكو التي ستجد نفسها في موقف سيئ اذا قامت الجامعة بطلب مناقشة الملف السوري في مجلس الأمن، ما يضع موسكو أمام مواجهة وضع يتطلب استخدام الفيتو مرة ثانية، وهي لا تفضل أن تصل إلى هذا الوضع». اللافت أن التطور تزامن مع تضارب في المعلومات حول زيارة كانت مقررة لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع إلى موسكو، إذ ردَّ لافروف أمس باقتضاب على سؤال صحافي حول الزيارة بعبارة «لن يأتي»، من دون أن يقدم توضيحات لسبب الغاء الزيارة. لكن وكالة «إترفاكس» عادت بعد قليل لتنقل عن مصدر في الكرملين أن الشرع «دعي إلى موسكو لاجراء حديث جدي». واضاف المصدر ان «الذين يقولون اننا سنكيل له المديح ونربت على كتفه مخطئون»، مؤكداً ان روسيا «ليست محامية السوريين». وبحسب مصدر روسي، فإن الخلاف تركز على عدم استجابة موسكو لطلب الشرع بإدراج لقاء مع رئيس الوزراء فلاديمير بوتين. وكان المعلن في موسكو أن الشرع سوف يلتقي فقط مع لافروف. ولفت إلى أن روسيا كانت تنتظر أن يأتي الشرع بموافقة دمشق على توقيع البروتوكول، ولكن تمنع الجانب السوري أزعج موسكو. ولم يستبعد المصدر أن يكون «الغاء الزيارة مؤشراً جدياً إلى تغيير في الموقف الروسي له دلالات أهم حتى من مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن». وفي باريس، أعربت فرنسا أمس عن تحفظاتها على مشروع القرار الروسي، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية: «نحن في بداية المفاوضات» لكن الامر «ملحّ». واضاف ان «مجلس الامن الدولي يجب ان يدين هذه الجرائم ضد الانسانية». وتابع ان فرنسا «تعتبر قرار روسيا الاعتراف بأن التدهور العميق للوضع في سورية يتطلب قراراً في مجلس الامن تطوراً إيجابياً». اما في واشنطن، فقد أعلنت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، ان الولاياتالمتحدة مستعدة للعمل مع روسيا حول المشروع. واعتبرت كلينتون ان مشروع القرار بنصه الحالي «يتضمن عناصر لا نستطيع دعمها»، مضيفة: «للأسف، يبدو ان الحكومة والمتظاهرين السلميين وُضعوا على ما يبدو على قدم المساواة» من حيث المسؤولية عن العنف. الا ان وزيرة الخارجية الاميركية اضافت: «سنقوم بدرس مشروع القرار بدقة، ولا بد من اشراك الجامعة العربية في درسه، خصوصاً انها تتصدر الرد على ما يحصل في سورية». وقالت كلينتون ايضاً: «نأمل بأن نتمكن من العمل مع الروس، الذين يعترفون اخيراً، وللمرة الاولى، ان هذه المسألة تحتاج للدرس داخل مجلس الامن». وكانت روسيا فاجأت المجتمع الدولي بتقديمها مشروع قرار يدين اعمال العنف في سورية من قبل «جميع الاطراف». ويدين مشروع القرار العنف المرتكب «من قبل جميع الاطراف ومن ضمنه الاستخدام المفرط للقوة من قبل السلطات السورية»، كما انه يعرب عن القلق ازاء «تزويد المجموعات المسلحة في سورية بشكل غير شرعي بالسلاح». وسارع السفير الفرنسي لدى الاممالمتحدة جيرار أرنو إلى اصدار بيان أشاد فيه بهذا «الحدث العظيم». وقال أرنو في البيان الذي نشر على موقع البعثة الفرنسية لدى الاممالمتحدة على الانترنت: «أعتقد ان الحدث اليوم هو حدث عظيم، لأن روسيا قررت اخيراً الخروج عن جمودها وتقديم قرار عن سورية». وأضاف البيان الفرنسي: «ان النص الذي قدم الينا يحتاج بالطبع الى الكثير من التعديلات، لأنه غير متوازن، إلا انه نص سيكون أساساً نتفاوض عليه». وقال السفير البريطاني مايكل تتهام، إن بلاده تريد قراراً من مجلس الامن «يتلائم مع المظالم الفادحة على الارض» بحق السوريين، مشيراً الى ان لندن ستسعى لقرار «مناسب» يعكس المخاوف حول حقوق الانسان التي تشعر بها المجموعة الدولية. اما السفير الالماني بيتر وتينغ، فقال إن مشروع القرار «غير ملائم»، لكن برلين مستعدة لإجراء نقاش حوله، فيما اعتبر دبلوماسي غربي آخر ان النص المقدم «من وجهة نظرنا غير متوازن». ويقول محللون ان روسيا قامت بتغيير تكتيكي عندما اقترحت مشروع قرار في الاممالمتحدة، لكن موقفها الذي تنتقده اوروبا والولاياتالمتحدة بشدة «لم يتبدل». وقال اليكسي ملاشينكو من مركز كارنيغي في موسكو، ان «الموقف الروسي لم يتبدل... هدف المشروع ليس ايجاد حل عملي بل الظهور بمظهر حسن». وأضاف أن «رد فعل الغرب الإيجابي على تقديم هذا المشروع دبلوماسي قبل كل شيء»، في حين دانت روسيا بشدة هذا الاسبوع اتهامات الغرب لها بالعرقلة، وقد وصفها وزير الخارجية سيرغي لافروف بأنها «غير أخلاقية». واعتبر فيكتور كريمنيوك، معاون مدير معهد الولاياتالمتحدة وكندا في موسكو، إن الدبلوماسيين الروس اظهروا «مرونة» من خلال الاعتراف بضرورة اصدار قرار في مجلس الامن وينتظرون بالتالي تنازلات في المقابل. وأوضح ان «المهارة تكمن في وضع جيش بدباباته الهجومية على قدم المساواة مع ثوار يحملون مسدسات». وتابع: «لكن هناك تقارباً يحصل، بما ان الجميع يعلم جيداً بأن مستوى العنف هذا لا يُحتمل».