أحياناً نتقدم وأحياناً نتأخر، التقدم في الزمن هو حلم، والتأخر في الزمن ذكريات. وكي نتابع لا بد من هذه اللعبة الدائمة ما بين ماض من الزمن وآت. لا نستطيع أن نبقى نراوح في المكان ذاته، نودع زماناً ونروح إلى زمان، وهكذا حال كل إنسان منذ بدء الخليقة، حركة دائمة، لا يهدأ، ولو كان الإنسان يحمل في ذاكرته مثلاً ذكريات الخطر لبقي قابعاً في منزله حتى لا أقول كهفه، ولو حمل ذكريات الفشل لما تحقق لأي إنسان النجاح. إذاً هو في حركة تغيير متواصلة شاء أم أبى. لذا تراني أتساءل هل الإنسان وحده يملك ذاكرة؟ أم أن سائر المخلوقات والأشياء لها ذاكرتها؟ فلو أن للطريق ذاكرة خطواتنا المسرعة والبطيئة والخائفة والراقصة والملهوفة، فهل سيتذكرنا لو تغيرت خبطة أقدامنا عليه؟ وهل السفن وهي ترتطم بالموج ستحتفظ بذكريات دموع المهاجرين والمسافرين والهاربين والعائدين؟ وهل يمتلك البحر الأزرق ذكريات المغامرة والاستكشاف أم ذكريات قراصنته الحقيقيين والمقنعين والجواري والرقيق الأبيض والأسود والأصفر؟ المطمئن والجميل أنه بمرور الزمن يتذكر الإنسان الجميلة منها، والشنيعة قد تبقى لكن يسقط عنها العنف والألم، ويبقى منها الشجن ونعمة النسيان. ويا لها من نعمة! تلك الستائر التي تسدل على الألم وتتركه في قيد النسيان. ولذا لا حل مربح لديك سوى الصلح مع الأيام والتسامح! وكي تتعلم أن تسامح فابدأ بنفسك قبل أي كائن آخر، سامح نفسك واغفر لها ثم الآخرين، فلا يجوز للمرء أن يخسر أحلامه بسبب الكراهية والحقد واللوم، هذه محاولات فاشلة لاجترار الماضي، ولو أن بعضاً من الكآبة اللطيفة مطلوبة أحياناً أو مفروضة، إنما التباكي والعودة لها باستمرار هو ضرب من اليأس، ومن يملك الأمل يمتلك مفاتيح المستقبل. ولذا لن أتساءل كثيراً عن الأمل والذكريات، هاتين بكلمتين صغيرتين هما الحياة، الحلم هو الهوى، والذكريات هي ما تعطينا التجربة وبالتالي الحكمة، وكفى بالحكمة رفيقة! الحكمة بأن تختار من الناس، أحلى الناس، وهو من يصر على أن يعيش حلمك معك وتلقائياً يترك لك الذكريات الجميلة، وتترك أنت عطرك في هذا الكون! [email protected]