عادت المخاوف من اغتيالات في لبنان تتصدر الاهتمام السياسي والإعلامي، فضلاً عن الأمني وسط الأنباء عن معطيات في شأن محاولة لاغتيال شخصية أمنية كبيرة تردد أنها إما المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي أو رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن العميد وسام الحسن، فيما غادر المدعي العام الدولي في المحكمة الخاصة بلبنان القاضي الكندي دانيال بلمار بيروت بعد زيارة دامت أكثر من 3 أيام مخلفاً انطباعاً لدى من التقاهم بأنه واثق بمتانة نتائج التحقيقات التي أجراها والتي استند إليها في قراره الاتهامي الأول في شأن عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ورجحت مصادر مطلعة أن يصدر بلمار قراراً اتهامياً جديداً، قبل مغادرة منصبه في آخر شهر شباط (فبراير) المقبل، يكون بمثابة تدعيم للقرار السابق الذي صدر الصيف الماضي في القضية، يربط بين جريمة اغتيال الحريري وبين جرائم محاولتي اغتيال كل من نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع السابق إلياس المر والوزير السابق النائب مروان حمادة، واغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي. وفيما أشارت المصادر المطلعة نفسها إلى أن بلمار بدا حاسماً في أن «العدالة آتية» وأن المحكمة ستواصل عملها بجدية لهذا الغرض، أكدت ما نشر عن أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي طلب منه عند اجتماعه معه قبل 3 أيام تأجيل القرار الاتهامي الجديد ريثما يتم تمرير تمديد عمل المحكمة وتجديد البروتوكول معها (في الأول من آذار/ مارس) المقبل)، وأن بلمار أبلغ رئيس الحكومة حرصه على أن يصدر أي قرار اتهامي تبعاً لتوصله إلى تكوين ملف متين ولا يربط تحويله إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين بأي عامل آخر. أما في شأن ما أثير إعلامياً عن المخاوف من محاولة اغتيال شخصية أمنية لبنانية، فقد أكدت مصادر أمنية ل «الحياة» أن معطيات توافرت قبل ايام نتيجة تقاطع بين معلومات محلية وأخرى خارجية، عن استهداف مسؤول أمني كبير. وإذ تكتمت المصادر عن تفاصيل هذه المعلومات ومصدرها لأسباب تتعلق بمواصلة التحقيق في شأنها، فإنها أوضحت أن هذه المعطيات والمعلومات خضعت للتحليل والدراسة بالعلاقة مع الأوضاع السياسية في البلاد بتشعباتها كافة، وخلصت إلى وجوب التعاطي معها بجدية. ولم تؤكد المصادر الأنباء عن أن عملية الاغتيال كانت ستنفذ في محيط مقر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في منطقة الأشرفية - مستشفى أوتيل ديو، لكنها أشارت إلى أن استهداف أي من اللواء ريفي أو العميد الحسن أو كليهما إذا كان سيحصل فإنه قد يتم عند أحد مدخلي مقر المديرية العامة الملاصق لمستشفى أوتيل ديو، والذي يؤدي إلى حي الأشرفية وأن الافتراض أن تنفيذ أي اغتيال عبر سيارة مفخخة يتطلب سعي الجناة إلى وضع سيارة مفخخة في أي من هذين الموقعين. وأشارت المصادر إلى أنه قبل الحصول على هذه المعطيات قدم فرع المعلومات طلباً عبر المدير العام لقوى الأمن، بالحصول من وزارة الاتصالات على داتا الاتصالات للهواتف الخليوية من أجل السعي إلى رصد أي حركة تخابر يمكن الاشتباه بها، وأن اللواء ريفي حوّل الطلب إلى وزير الداخلية مروان شربل، الذي حوّله بدوره إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي من جهته أبلغه إلى وزير الاتصالات نقولا صحناوي، وفقاً للآلية القانونية المنصوص عليها في قانون تنظيم التحكم والمراقبة للاتصالات. داتا الاتصالات وذكرت المصادر أن الطلب لم يتضمن الحصول على تسجيلات لمخابرات بل لتعقب بعض الاتصالات من أجل التحقيق في ما إذا كانت هناك حركة تخابر بين أرقام محددة يمكن أن تشير إلى تحرك ما يمكن أن يكون أمنياً. لكن وزير الاتصالات لم يلب طلب وزارة الداخلية. وجرت مراجعة الأمر وتكرار الطلب 13 مرة منذ 13 الشهر الجاري. وكانت حجة الوزير صحناوي أنه لا يمكن الإفراج عن كامل داتا الاتصالات في مدة معينة وأن المطلوب من مديرية قوى الأمن تحديد بقعة جغرافية محددة مطلوب تحليل الداتا فيها بدل طلب كامل الداتا، لكن المصادر الأمنية أوضحت أن التجربة أثبتت في حالات سابقة تمكنت أجهزة الأمن فيها من وضع اليد على حوادث أمنية محددة أن تحليل كامل الداتا هو الذي يقود إلى وضع اليد على خيوط بعض الجرائم ومنها كشف تفجير باصين في منطقة عين علق في منطقة المتن الشمالي عام 2007، إذ إن الاتصالات بين الجناة شملت جغرافيا جبل لبنان ومنطقة طرابلس مثلاً وهو ما تم كشفه نتيجة عدم حصر تحليل الداتا بالمنطقة التي حصل فيها التفجير حينها، بل بسبب تحليل الداتا كاملة. وهو ما أدى إلى الربط بين من قاموا بالتفجير في المتن ومن تعاون معهم في طرابلس. وأشارت المصادر إلى أن مسألة الحصول على كامل الداتا بقي موضوع تجاذب مع وزارة الاتصالات حتى أول من أمس. ولفتت إلى أن موضوع الحصول على الداتا كان مدار نقاش في اجتماع للجنة الاتصالات النيابية قبل أيام وأنه بعد أن جرى تسريب أن الوزير مروان شربل أبلغ اللجنة أنه توقف عن تلبية طلب الداتا، عاد شربل فنفى ذلك وقال إنه لم يوقف طلبات الحصول على الداتا... شربل والخوف من الطابور الخامس وعلّق الوزير شربل أمس على الأنباء في شأن محاولة اغتيال شخصية أمنية في تصريحات عدة، فقال إن الموضوع جرى تضخيمه في الإعلام. وأضاف: «على الدوام تأتينا معلومات عن استهداف شخصيات، ليست فقط أمنية بل سياسية أيضاً. وهذه المعلومات نتابعها حتى نصل إلى نتيجة سلبية أو إيجابية، خصوصاً أن أي اغتيالات في البلد تؤدي إلى مشكلة أمنية في لبنان». وأوضح أن هناك معلومات وردتنا عن استهداف شخصية أمنية ونحن نتابعها. وفي حديث إلى «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، قال شربل: «هناك أشخاص يهمّنا أن نحافظ عليهم ومنهم ريفي والحسن، لذلك نؤمن حماية إضافية لهما، وأطمئن اللبنانيين على ألا يخافوا طالما أن الوضع ممسوك». ورأى أن «هناك تخوّفاً عندما يكون الوضع السياسي متشنجاً بين الفرقاء، فيستغله طابور خامس يدخل على الخط من أجل توتير الأمر ما قد يودي إلى أي فتنة طائفية». واستنكر مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني «محاولات زعزعة الأمن في لبنان التي تخدم المتربصين به شراً ولا سيما العدو الصهيوني»، وقال: «لا يجوز الاستمرار في استباحة الأنفس والدماء والنيل من رجالاتنا الوطنية بلا رادع خدمة لمشاريع الغير على أرضنا، ونطالب بوضع حد نهائي لنهج الاغتيال السياسي في لبنان وإنزال أشد العقاب بمن يجد في التصفية الجسدية وسيلة لتحقيق مآربه». وأكد «ان شهداءنا عموماً وشهداءنا الأحياء خصوصاً ومشاريع الشهداء من رجالاتنا الوطنية وقياداتنا هم فخر وطننا وأبنائه وعزة تاريخنا لما بذلوا ويبذلون في سبيل الحفاظ على وطننا لبنان وبقائه واستمراره ليكون وطناً آمناً لجميع اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين». وشدد على «ضرورة توفير ما يلزم من أسباب الحماية للقيادات في لبنان ولا سيما الأمنية منها بما يحفظ سلامتها وسلامة الوطن والمواطنين». وكان قباني تلقى اتصالاً من الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري رداً على اتصاله به لتهنئته بالسلامة من اصابته، وغادر الحريري امس، المستشفى.