تجاوزت ديون اليونان 240 بليون يورو، أي ما يفوق 15 في المئة من مديونية بلدان منطقة اليورو التي يكاد بعضها يدخل مرحلة الموت الإكلينيكي (..) بفعل الاختلالات المالية، والعجز عن تحقيق التوازن الذي يحمي البلد من الهزّات الاجتماعية العنيفة.. فاليونان الذي، عاش ويعيش على وقع احتجاجات متواصلة، لم يعد ذلك مقتصراً على حكومة أثينا التي تفاوض كبار أوروبا لدعمها، وتواجه شارعاً غاضباً من سياسة التقشف التي تعني شدّ الحزام حتى العظم.. ولكنّ الأمور انتقلت إلى الأندية اليونانية العريقة، فهذا فريق باوك الشهير، يقترب من إفلاس تام، يعرض أحسن لاعبيه للبيع، وتموين الخزانة لمواجهة انهيار حتمي، غير أنّ قرار رئيسه تيودور زاغوراكيس، اللاعب المدلل سابقاً، لم يعجب جماهير النادي التي وجدت في هزيمة باوك أمام أتروميتوس سبباً لإعلان الحرب على إدارة النادي، فحطّمت مقاعد المدرّجات، وأتلفت كثيراً من محتويات الملعب، فلم يجد زاغوراكيس بدّاً من رمي المنشفة، معلناً أنّه اتخذ قرار التنحّي في توقيت صعب «حتى يعود الوئام والوحدة إلى النادي». وكان باوك قد باع لاعبه البرتغالي المميّز فيرينيا إلى فولفسبورج الالماني حتى يتمكّن من تسديد الغرامة التي فرضها عليه الاتحاد الأوروبي، والمقدرة ب 250 ألف يورو لخرقه القواعد المتعلّقة بتراخيص اللعبة، وإمكان شطبه من المشاركة في البطولات الأوروبية القادمة لمخالفته قواعد اللعب النظيف (..)، لهذا فإنّ الحلّ الذي اهتدى إليه رئيس النادي هو بيع ألمع النجوم لتسديد الديون والتخفيف من ضغط اتحاد بلاتيني.. الصورة ذاتها، فحكومة اليونان تواجه الثنائي ميركل وساركوزي، وكلّما قامت بإصلاحات إلاّ زاد غضب الشارع، لأنّها إن أرضت كبار المال الأوروبي، زادت في حنق الجماهير عليها، ولا يختلف هذا الوضع عمّا يعرفه نادي باوك الذي يواجه أزمة مالية حادّة، اضطرّته إلى بيع أعزّ ما لديه من لاعبين يصنعون قوّته ومنافسته لأعرق أندية اليونان، أولمبياكوس وباناثينايكوس وآيك أثينا.. ولم يكن سهلاً هذا أمام جماهير يستفزّها باباديموس سياسيا وزاغوراكيس رياضياً. وبين استفزاز هذا وذاك تغيب الفرحة عن جمهور بلد جبل الأولمب، فلا يعنيه إن كان رئيس النادي، زاغوراكيس، قائد منتخب اليونان التاريخي الفائز بكأس أوروبا 2004، أو أفلاطون أو سقراط. ما عاشه نادي باوك ليس جديداً على أندية كرة القدم، فالأزمة لا تعرف منطقاً، ولا تنتظر حلولاً سحريّة، وتفرض أحياناً بيع لاعبيها الكبار للحفاظ على التوازنات اللازمة، وهو أمر طبيعي، لدى الأندية المحترفة، فبيع لاعب يجلب ثلاثة، وبيع لاعبين تسديد فاتورة ضرائب (..) وأذكر أنّه قبل سنوات وجد نادي فالنسيا الاسباني نفسه مضطرّاً لتأجير ملعبه لإقامة الولائم والأفراح، خاصّة وأنّ وضع إسبانيا لا يختلف كثيراً عن اليونان، لأنها على شفا حفرة من انهيار اقتصادي غير مسبوق.. وأحياناً يكون الوضع مقلوباً، أي أنّ الجماهير تخرج مهللة لاستقدام ناديها لاعباً متميّزاً، مثلما حدث قبل ثلاثين عاماً في أودينيزي الإيطالي، حين تعاقد مع البرازيلي زيكو، ما اضطر البرلمان الإيطالي إلى فتح تحقيق حول صفقة اعتبرت بمقاس شراء أسلحة.. ويبقى المال دائماً هو من يحرّك الشارع، فرحاً أو غضباً. [email protected]