للمرة الثالثة في تاريخ المباريات النهائية في بطولة كأس العالم لكرة القدم، يصطدم المنتخب الأرجنتيني بنظيره الألماني، ولكن هذه المرة في نسخة البرازيل 2014 على ملعب ماراكانا في ريو دي جانيرو، من دون أن يرجح التاريخ كفة أي منهما. الصدام الأول بين راقصي «التانغو» و«المانشافت» حدث في نهائي نسخة 1986 في المكسيك على ملعب الأزتيك، والتي كان بطلها الأول الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا، إذ منح البلد اللاتيني لقبها الثاني والأخير في المونديال، على رغم أنه لم يسجل في النهائي الذي حسم بنتيجة 3-2. وكان الألبيسيليستي تقدم بهدفين عبر خوسيه براون وجورجي فالدانو، ثم تعادل المانشافت بثنائية كارل هاينز رومينيغه ورودي فولر، لكن هدف الكأس سجله جورجي بوروتشاغا في الوقت القاتل. وتكررت المواجهة في النسخة التالية عام 1990 على أرض إيطاليا، ونجح الألمان في الانتقام على الملعب الأوليمبي بروما من خلال الفوز بركلة جزاء سجلها أندرياس بريمه في الدقائق الأخيرة، ليبقى في الذاكرة مشهد بكاء مارادونا في الملعب. وجمع القدر الغريمين الأوروبي واللاتيني مجدداً على أرض السامبا، وسط ترشيحات تصب في مصلحة الألمان، خصوصاً بعد الفوز الساحق على السيليساو 7-1 في نصف النهائي على ملعب مينيراو. وتتطلع ألمانيا تحت قيادة المدرب يواخيم لوف للظفر بالكأس للمرة الرابعة في تاريخها بعد التتويج في 1954 و1974 و1990، لأجل التساوي مع إيطاليا وتقليص الفارق مع البرازيل صاحبة الرقم القياسي بخمسة ألقاب. أما الأرجنتين مع مدربها أليخاندرو سابيلا فتحلم بالكأس الثالثة بعد الفوز بنسختي 1978 و1986. وبالنظر إلى مسيرة كلا المنتخبين في النسخة الحالية، فإن ألمانيا كانت أكثر تألقاً في الأداء وإبهاراً في النتائج. إذ تصدرت ألمانيا المجموعة السابعة بعد فوز كاسح على البرتغال 4-0، وتعادل صعب مع غانا 2-2 ، وانتصار باهت على الولاياتالمتحدة 1-0. وفي دور ال16 عانت ألمانيا أمام الجزائر قبل أن تتفوق في الشوطين الإضافيين 2-1 ، ثم أزاحت فرنسا في ربع النهائي بأقل مجهود بالفوز 1-0. وفي الوقت الذي اتهمت فيه ألمانيا بهبوط الأداء، أخرست كل الألسنة بتحقيق فوز تاريخي على البرازيل صاحبة الأرض والجمهور بنتيجة 7-1 مع الرأفة، لتبرهن أمام العالم على أنها الأجدر باللقب. بالانتقال إلى الأرجنتين، فإن الطريق كان ممهداً لها لتصدر المجموعة، وعلى رغم ذلك ذاقت الأمرين لتحقيق المراد، إذ فازت بصعوبة على البوسنة 2-1 ، وفي الثواني الأخيرة على إيران 1-0 ، وبشق الأنفس على نيجيريا 3-2. وتكررت المعاناة في دور ال16 أمام سويسرا، إذ فازت في الرمق الأخير من الوقت الإضافي 1-0 بعد أن استمر التعادل السلبي 118 دقيقة، وفي ربع النهائي أطاحت ببلجيكا بنفس النتيجة، لكن هذه المرة بفضل هدف جاء مبكراً، حافظت عليه بصعوبة حتى صافرة النهاية. وخدم الحظ كتيبة سابيلا في نصف النهائي، عندما فازت بركلات الترجيح أمام هولندا بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي. قوة ألمانيا تكمن في أسلوب لعبها الجماعي، وصلادة خط الوسط والهجوم. إذ تمتلك أفضل ثنائي في الوسط خلال البطولة: توني كروس وسامي خضيرة، ويزداد قوة بوجود باستيان شفاينشتايغر أو فيليب لام، والأخير عالج القصور الدفاعي في الجبهة اليمنى برجوعه لمركز الظهير. وفي ظل الشكوك حول لحاق المدافع ماتس هوميلس بالنهائي، وتذبذب مستوى جيروم بواتينغ، فإن العملاق مانويل نوير جاهز لردع أي محاولة لتهديد مرماه، بعد المستوى المتميز الذي ظهر عليه خلال البطولة. وعلى رغم أن ألمانيا لا تنتهج سياسة «النجم الواحد»، التي تظهر جلية في الأرجنتين بوجود ليونيل ميسي، فإن توماس مولر يلعب هذا الدور نسبياً، بتسجيله خمسة أهداف خلال المونديال، ويجاوره الهداف التاريخي لكأس العالم ميروسلاف كلوزه، والبديل المتميز أندريه شورله أو ماريو غوتزه، ليشكلوا خط هجوم مرعب لأي دفاع، خصوصاً إن كان مسعود أوزيل في مستواه المعهود، ليمدهم بتمريراته السحرية. في المقابل فإن الأرجنتين تعتمد بشكل رئيسي على موهبة قائدها ميسي، صاحب أربعة أهداف في البطولة، على أمل أن يلعب دور مارادونا كبطل أوحد، في ظل الشكوك حول الحالة الصحية لزميله أنخل دي ماريا. وفي ظل الرقابة الدفاعية التي سترتكز على ميسي، فإن سابيلا يأمل في خلق حلول أخرى في وجود إزيكيل لافيتزي وغونزالو هيغواين والعائد من الإصابة سرجيو أغويرو. واطمئن جمهور الأرجنتين على حالة دفاع ووسط المنتخب بتألق عدد من اللاعبين، أبرزهم خافيير ماسكيرانو ومارتن ديميكيليس وبابلو زاباليتا وإنزو بيريز، خصوصاً في مباراة هولندا، ومن خلفهم الحارس سرجيو روميرو. المواجهة نظرياً تبدو محسومة لألمانيا، بالنظر أيضاً لعامل اللياقة البدنية، لكن عقلية «الماكينات» تدعو إلى الجدية والتطبيق العملي بعيداً عن النظريات، بينما تسعى الأرجنتين للإيقاع بخصمها الأوروبي من خلال الضغط على دفاعه غير المعصوم من الخطأ، وتدعو أن تكون ليلة ماراكانا هي ليلة ميسي.