تبدو الارجنتين جاهزة في مونديال البرازيل 2014 لكرة القدم لتحقيق ما عجزت عنه في ربع القرن الاخير معتمدة على جوهرتها ليونيل ميسي ومدربها الرصين اليخاندرو سابيلا بغية تحقيق لقبها الثالث. لطالما كان عملاق اميركا الجنوبية مرشحا فوق العادة لخطف اللقب، لكنه سقط في النسخ السابقة تحت الضغوط في ظل الحديث عن انقسامات دائمة داخل تشكيلة "البي سيليستي". ضمت الارجنتين في العقدين الماضيين نجوما من العيار الثقيل فتكوا بدفاعات الاندية الاوروبية، لكنها صائمة عن اللقب العالمي منذ منحها "الولد الذهبي" لقب مونديال المكسيك 1986 للمرة الثانية في تاريخها بعد 1978. خلافا لمشوار تصفياتها في 2010 تحت اشراف اسطورتها دييغو مارادونا، كانت رحلة الازرق والابيض في 2014 معبدة الى البرازيل فسجلت 35 هدفا في 16 مباراة، موجهة رسالة تحذيرية قوية الى منافسيها، خصوصا بعد وقوعها في النهائيات ضمن مجموعة سهلة ضمت نيجيريا بطلة افريقيا وايران والبوسنة والهرسك المبتدئة. وبحال عدم حصول مفاجآت، يتوقع ان تواجه الاكوادور او سويسرا في الدور الثاني، البرتغال او بلجيكا في ربع النهائي، اسبانيا او ايطاليا في نصف النهائي. كان ميسي مفتاح تأهل الفريق فحمل شارة القائد معنويا وفنيا ليصبح العلامة الفارقة في تشكيلة سابيلا المعين في 2011. تصدر ميسي ترتيب هدافي بلاده في التصفيات مع 10 اهداف في 14 مباراة، فضرب عرض الحائط بتحليلات انتقدت اداءه مع بلاده وفشله في سحب تألقه مع برشلونة الاسباني في السنوات الاخيرة. خلافا لماردونا الذي زج بكارلوس تيفيز "لاعب الشعب" في النسخة الافريقية الاخيرة، استبعد سابيلا نجم يوفنتوس الايطالي الذي غاب عن بلاده منذ كوبا اميركا 2011 عندما خرجت من ربع النهائي امام الاوروغواي، وبنى فريقه حول "البعوضة". يملك سابيلا خط هجوم تحلم به معظم المنتخبات، اذ يضم الى جانب ميسي كل من سيرخيو اغويرو بطل انكلترا مع مانشستر سيتي، غونزالو هيغواين (نابولي الايطالي) وايزيكييل لافيتزي بطل فرنسا مع باريس سان جرمان وجناح ريال مدريد الاسباني الطائر انخل دي ماريا. واللافت ان نواة منتخب الارجنتين احرزت لقب كأس العالم تحت 20 سنة في 2005، على غرار ميسي، اغويرو، بابلو زاباليتا (مانشستر سيتي الانكليزي) وفرناندو غاغو (بوكا جونيورز)، ما يعزز اجواء الصداقة في الفريق، وقال ميسي بهذا الصدد: "في المنتخب الوطني هناك مجموعة صلبة من الاصدقاء، بعضنا يعرف الاخر مذ كنا اطفالا". رفعت الارجنتين لقبها الاخير في كوبا اميركا 1993 بعد سبع سنوات على "اليد الذهبية" لمارادونا الذي قاد تشكيلة عادية الى لقبها الثاني على حساب المانيا الغربية (3-2)، وذلك بعد ان تذوق ماريو كمبيس ورفاقه طعم المجد لاول مرة على ارضهم في 1978 بعد نهائي انتهى بعد تمديد الوقت امام هولندا (3-1). يعيش الارجنتينيون الكثير من المآسي الاجتماعية والاقتصادية والامنية، لكن ميسي ورفاقه قد يعيدون البسمة لفريق تخبط في النسخ الاخيرة من المونديال، فخرج من الدور الاول في 2002 وثمن نهائي 1994 وربع نهائي 1998 و2006 و2010 وآخر محاولتين امام المانيا. يضيف ميسي (84 مباراة دولية و37 هدفا) الذي سيخوض موندياله الثالث: "نحن هنا للفوز. لكن يجب ان نحترس من المانيا، البرازيل، اسبانياوفرنسا". لكن في ظل صيام الالقاب، بدأت تظهر الانتقادات، فقال بطل العالم السابق خورخي فالدانو: "كرة القدم الارجنتينية فقدت حب الكرة. هذه علامة انحطاط لكرة فقدت بريقها. يتقلص عدد اللاعبين الصاعدين واعتقد اننا في حالة ركود". يتخوف المحللون من دفاع الارجنتين، فمركز حراسة المرمى يثير الشكوك لكن سابيلا منح ثقته لسيرخيو روميرو الذي امضى معظم الموسم على مقاعد البدلاء مع موناكو الفرنسي. وفي الخط الخلفي نقاط ضعف على غرار فيديريكو فرنانديز (نابولي الايطالي)، ايزيكييل غاراي (بنفيكا البرتغالي)، كما ان الظهيرين زاباليتا وماركوس روخو (سبورتينغ لشبونة البرتغالي) لا يجلبان الاطمئنان. يضيف فالدانو المدير الرياضي السابق في ريال مدريد: في الدفاع نحن بحاجة الى قائد، لاعب قادر على فرض هيبته. اليوم لا نملك دانيال باساريلا (قائد 1978) او اوسكار روجيري (1986)، القادر على رص الصفوف في اللحظات الصعبة". لكن انخل دي ماريا المتوج بلقب بطولة اوروبا مع ريال بدا اكثر تفاؤلا: "لا اعد نفسي بالكأس، لكن نفكر في بلوغ نصف النهائي". المجد بحال التتويج والعار بعد الاقصاء، سيصبح ميسي ومجموعته ابطالا محليين لدى 41 مليون ارجنتيني بحال الفوز في موقعة ماراكانا في 13 يوليو. وبخصوص المدرب سابيلا فعندما رست بورصة اسماء المدربين عليه بعد خيبة سيرخيو باتيستا في كوبا اميركا 2011، تخلى الاول عن تدريب الجزيرة الاماراتي، لكن لم يقتنع كثيرون بانه الرجل المناسب لهذا المنصب. قال سيزار مينوتي مدرب المنتخب الفائز بلقب 1978: "لا اعرف لماذا تم اختياره، لا اعرف ما هو مشروعه". بعدها بثلاث سنوات، بدا ان تعيين سابيلا كان ضربة بالغة الذكاء من مسؤولي الاتحاد الارجنتيني. تحت اشراف "أل ماغو" (الساحر)، وهو لقبه عندما كان لاعبا، تطورت الارجنتين الى فريق رائع فرض ثقله مجددا على الساحة. لم يخف سابيلا (59 عاما) نيته في بناء فريق على قياس ميسي: "يجب ان نريحه ونفكر في ما هو الافضل للفريق. والافضل للفريق اولا واخيرا هو ان نريحه". جاءت النتائج بسرعة فألهب ميسي حماسة الجماهير بعدما وضعه سابيلا وراء اغويرو وهيغواين. استهل لاعب الوسط السابق مسيرته مع ريفربلايت بين 1974 و1978 فطار بعدها الى شيفيلد يونايتد الانكليزي، وانذاك فضله هاري هاسلام مدرب شيفيلد على دييغو مارادونا بسبب ارتفاع ثمن الاخير. لم ينجح كثيرا بعدها في ليدز يونايتد فعاد الى بلاده ليبقى خمس سنوات مع استوديانتيس. انتهت مسيرته بعد فترة قصيرة مع ايرابواتو المكسيكي في 1989 فانتقل الى التدريب. عمل مساعدا لباساريلا لسنوات عديدة وكان ضمن الجهاز الفني لمونديال 1998 ثم التحق بباساريلا عندما اشرف الاخير على بارما، الاوروغواي، مونتيري المكسيكي وكورنثيانز البرازيلي. اصبح مدربا حقيقيا في 2009 مع استوديانتيس فقاده الى كأس ليبرتادوريس ولقب الدوري الختامي في 2010 فاصبح مرشحا قويا لتولي مهام المنتخب الاول. أما إذا ما تحدثنا عن نجم الفريق ليونيل ميسي فهو يريد تسديد دين قديم بعد فوزه تقريبا بكل شيء مع برشلونة، يهدف الى منح بلاده اللقب الاغلى في العالم بعد غياب طويل، ورد تهمة تألقه مع النادي الكاتالوني ولعب دور الكومبارس مع بلاده. لم يكرر ميسي مؤخرا المستوى الذي منحه الكرة الذهبية لاربع سنوات متتالية، فوقع فريسة الاصابات في الاشهر ال12 الاخيرة، وسقط مع والده ووكيل اعماله في فخ التهرب من دفع ضرائب بالملايين للسلطات الاسبانية. لكن افضل لاعب في العالم اربع مرات هو قدوة ابناء جلدته، يتفاخرون بانجازاته على المستطيل الاخضر ويتقاسمون اولوياتهم بالنسبة لاهدافه الخارقة مع الفريق الكاتالوني. في كأس العالم، خسر ابن روزاريو مرتين في ربع النهائي امام المانيا ولم يسجل الا هدفا واحدا في مرمى صربيا ومونتنيغرو في الدور الاول، وفي 2010 تحت اشراف مارادونا لعب دور الممرر وصانع الاهداف. احتاج الى الوقت ليتأقلم مع المنتخب، فتجاوز في عدد اهدافه مارادونا وهرنان كريسبو وهو لم يتخط السابعة والعشرين (24 يونيو)، وهدفه المقبل تخطي الرقم القياسي لغابريال باتيستوتا (56 هدفا). في قلوب الارجنتينيين، لا يزال مارادونا الاعظم في التاريخ، خصوصا لانهم لم ينجحوا برؤية ميسي في ملاعبهم، اذ رحل بعمر الثالثة عشرة الى برشلونة، ولانه لم يجلب لهم اللقب العالمي في ظل منافسة شرسة بينهم وبين الجار البرازيلي، بالاضافة الى حرارة مارادونا صاحب الكاريزما والجانب الشرس من اللعبة. يقول ميسي ان هدفه الاساسي هذا الموسم هو كأس العالم، ما اثار حفيظة مشجعي برشلونة الذين اعتبروا بعد موسمه السيئ انه يخبىء ما يملكه حتى فضل الصيف. يرى اغوستين رواني صديق طفولته مع صغار نيويولز اولد بويز فريق مدينة روزاريو، ثالث المدن الارجنتينية وصاحبة المرفأ الزراعي-الصناعي: "ان تحرز الارجنتين المونديال فهذا يعني له كل شيء. في الارجنتين احتاج ميسي الى الوقت لان الناس تعتبره طفل الكرة الاسبانية". بعمر التاسعة بدأت مواهبه تتفتح تزامنا مع ظهور نقص في هورمونات نموه، وهي مشكلة كادت تحرمه من ان يصبح لاعبا كبيرا على حد قول طبيب الغدد دييغو شفارستاين: "الاطفال يريدون ان يصبحوا اكبر حجما من اجل المظهر والفتيات، لكنه اراد ذلك من اجل كرة القدم". وصف له علاج مرتفع الثمن بكلفة الف يورو شهريا يعوض النقص ويعطي نتائج سريعة، لكن في ظل ازمة اقتصادية وفقدان والده العامل بالمعادن لوظيفته وبالتالي خسارة التأمين الذي يؤمن لطفله الادوية، عولت عائلة ميسي على انقاذ نادي برشلونة لها من ورطتها فنقلهم الى اسبانيا ورعى الطفل الموهوب تحت جناحيه ليصبح افضل لاعب في العالم وربما في التاريخ.