خليفة الراشدي موسيقي جزائري الأصل، مقيم في باريس منذ سنوات، وهو مؤلف وملحن وعازف غيتار وطبول في فرق موسيقية عدة لعل أهمها «يالله بينا»، علماً أنه جاب العالم كله تقريباً من أوروبا إلى آسيا مروراً بأفريقيا وحوض المتوسط وأستراليا مع هذه الفرقة الناجحة، ما حقق له الشهرة في ميدانه وسمح له باحتلال صفحات المجلات الفنية إلى جوار مغنية الفرقة، كلما أجرت هذه الأخيرة مقابلات إعلامية هنا وهناك. وتلفت ملامحه الصارمة ورأسه الحليق، وأسلوبه في العزف على طبول كثيرة في وقت واحد، الانتباه إليه. وها هو خليفة الراشدي قرر خوض تجربة تكسر القواعد الراسخة في دنيا الموسيقى، وتتلخص في الوقوف وحده على المسرح وراء مغنية، ليتولى بمفرده مرافقتها موسيقياً من الألف إلى الياء. وهو فعل ذلك بالاتفاق مع المغنية صافو، المغربية الأصل والمقيمة أيضاً في باريس، والمختصة في استعادة أغنيات أم كلثوم بصوتها العذب القوي الذي يفتح أمامها، منذ أكثر من أربعين سنة الآن، أبواب أكبر قاعات العروض الموسيقية والغنائية في باريس والعالم. وأثارت الفكرة إعجاب شركة كبرى لإنتاج الأسطوانات فقررت تحويل التجربة إلى «ألبوم» سيسجل في الحفلة التي أقيمت أمس، ليطرح لاحقاً في الأسواق. واستضافت قاعة نادي «نيو مورنينغ» الضخمة، والمعروفة بميل القائمين عليها إلى العروض الفنية والغنائية الخارجة عن المألوف والجريئة في مضمونها، الفنانَين. وعلى رغم أن القاعة لا تقع في حي باريسي فاخر، بل في شارع ضيق ضمن الدائرة العاشرة الشعبية، وعلى رغم أن مقاعدها ليست مجهزة كي توفّر الراحة المثالية للمتفرج، فهي كوّنت لنفسها سمعة راسخة على مدار السنوات الماضية، وتجذب إليها في كل ليلة جمهور هواة الألوان الموسيقية المختلفة. وقدّم أكبر النجوم، أمثال برينس، وعملاقي موسيقى الجاز الراحلين آلان شيت بيكر وأرشي شيب، والمغني شارل أزنافور، وغيرهم من الفنانين العالميين، حفلات على خشبة مسرحها. واللافت أن الجمهور المواظب على القاعة يحوي بين صفوفه أيضاً شخصيات لامعة من فنانين وأدباء وحتى سياسيين، إلى جانب أفراد المجتمع المخملي، وكل هؤلاء يحضرون للتصفيق لفنانيهم المفضلين. وأتى دور خليفة الراشدي كي يثبت قدراته أمام جمهور معروف بذوقه الصعب، وعدم تهاونه مع الأخطاء، خصوصاً بعدما اعتاد مشاهدة أكبر الكبار. ويستفيد الراشدي، بطبيعة الحال، من الحشد الذي سيأتي لسماع صوت صافو والاستمتاع بأسلوبها الشرقي الدافئ في الحركة والتفاعل مع جمهورها وفي الاندماج الكلي مع الكلمات التي ترددها. ويكمن تحدي الراشدي أيضاً في فرض وجوده الموسيقي والمسرحي، إنما من دون أن يخطف اهتمام المتفرج عن المغنية لحظة واحدة، وهو توازن صعب التحقيق، إذا نجح فيه الراشدي فسيفتح أمامه مجالات فنية أكبر في المستقبل. وسبقت للفنان المشاركة، كمؤلف وملحن وعازف، في مجموعة من الأغنيات الحديثة التي سجلت في شكل أوبرالي يكسر القواعد المعروفة لهذا اللون الفني، ويضعه في متناول الجميع، خصوصاً الشباب الذي قد يجد الأوبرا في شكل عام غير ملائم لذوقه وتطلعاته الموسيقية. وقد تحولت الأغنيات المسجلة إلى «ألبوم» في أول الأمر، ثم إلى مسرحية استعراضية دمجت بمهارة بين الغناء والرقص والتمثيل وعرضت في فرنسا وبلدان أوروبية عدة.