قال مصدر ديبلوماسي أميركي ل «الحياة» إن همّ واشنطن في هذه المرحلة هو ألاّ ترتد الأزمة في سورية نحو لبنان وتتسبب بتهديد الاستقرار فيه «ولذلك نكرر القول كما سبق أنْ فعلنا، بأننا قلقون من أن ينعكس اللاإستقرار في سورية على لبنان». وأضاف المصدر: «حتى الآن لم نر تدفقاً كبيراً للمهجّرين واللاجئين السوريين الى لبنان، والخروق السورية للحدود ليست واسعة، ونريد ضمان ألا يحصل كل ذلك، ولهذا السبب نستمر في التحذير من ارتداد الأزمة على لبنان». ورداً على سؤال عن استمرار السجال الداخلي حول خروق الجيش السوري للحدود اللبنانية وما قيل عن خطف سوريين معارضين في لبنان، قال المصدر الديبلوماسي الأميركي إن «الولاياتالمتحدة لا تستطيع ان تحول دون حصول كل ذلك والمهم أن يستمر الاستقرار السياسي ونواصل مراقبة الأمر. ونعتقد أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي استطاعت خلال زهاء 6 أشهر من ولايتها أن تبقي لبنان مستقراً الى حد ما، على رغم ما يحصل عند جيرانكم. وقد تمكن ميقاتي من ذلك بالتعاون مع الرئيس ميشال سليمان». وتابع المصدر: «لقد استخدمت الحكومة سياسة الحياد حيال الأزمة السورية لتحقيق هذا القدر من الاستقرار. نحن نقر بالعلاقات الوثيقة بين البلدين. لكن أن يتجنب لبنان إصدار مواقف حول ما يجب أن يكون عليه الوضع في سورية واعتماد سياسة الحياد (النأي بالنفس)، فهذا أمر نقر بأنه وصفة جيدة للحفاظ على الاستقرار». وزاد المصدر: «صحيح أننا لم نكن سعداء بالطريقة التي تألفت فيها هذه الحكومة وبغلبة حزب الله وحلفائه في مكوناتها وما قيل عنها بأنها حكومة اللون الواحد، لكن كانت هناك قضايا مهمة بالنسبة إلينا وجدنا تجاوباً من الرئيس ميقاتي في التعاطي معها، ومنها حرصنا على أن تأخذ الحكومة اللبنانية موقفاً واضحاً من مسألة الاتجار بالبشر وقانون منع هذا الاتجار. ونحن ما زلنا نعمل مع الحكومة على هذا الأمر بعد أن تجاوب ميقاتي في هذا الصدد. لقد أظهر لنا الرئيس ميقاتي أن هناك بعض المجالات التي يمكن من خلالها الاحتفاظ بالعلاقة بين حكومتي بلدينا». ولفت المصدر الى أن «الأمر الآخر الذي كان يهم الولاياتالمتحدة هو التزام لبنان بتمويل المحكمة الدولية. وقد قام بهذا، وكانت خطوة مهمة ولا نرى أنه قام بذلك إرضاءً للولايات المتحدة بل لقناعته الخاصة وهذا يتقاطع مع مصالحنا وتطلعاتنا، وعلى رغم موقفنا من طريقة تشكيل الحكومة». ورداً على سؤال عن وجهة نظر بعض الأطراف بوجوب تغيير الحكومة لأن فريقاً واسعاً غير ممثل فيها ولأن الوضع الإقليمي الذي أدى الى نشوئها تغيّر، اعتبر المصدر أن «هذا الأمر مختلف عن الوصفة التي تقول بأن بقاء الحكومة الحالية مفيد للحفاظ على الاستقرار. فالبعض يعتقد أن وجود حكومة عاملة (بكامل الصلاحيات) أفضل من حكومة تصريف أعمال إذا بقيت الأزمة السورية مستمرة، وفي ظل الحاجة الى حكومة تضطر الى اتخاذ قرارات صعبة لن تتمكن من اتخاذها إذا كانت مستقيلة، لا سيما إذا كانت قرارات صائبة». وشدد المصدر على أن واشنطن تنظر الى لبنان من منظار تقديرها لمصلحته وليس من منظار المنطقة فقط، ويضيف: «طبعاً هناك أمور أخرى مطلوب من الحكومة اللبنانية أن تسعى الى تنفيذها يصعب التفاؤل بإمكان إقدامها عليها، مثل تنفيذ القرار الدولي الرقم 1559، لكن همّنا الذي من خلاله نتعاطى مع الوضع في لبنان هو حماية الاستقرار، نظراً الى الوضع المتفاقم في سورية». نأمل بحل سياسي واعتبر المصدر أن الموقف الأميركي من التطورات في سورية يساعد أيضاً في التشجيع على حفظ الاستقرار في لبنان «فنحن حريصون على أخذ مسافة مما يحصل فيها حتى لا يقال إن ما يحصل هو بسبب مؤامرة خارجية، وبمواقفنا من التطورات في سورية نحرص على ألا نستنزف الوضع هناك، نحن حذرون ونريد ألا نتسبب بمزيد من التوتر في سورية، آملين بألا يتطور العنف بل أن يتوقف ويتم تغليب الحل السياسي. إننا بهذه الطريقة نقوم بتسهيل حصول حل سياسي بعيد من العنف، ولذلك ندعم الجامعة العربية التي تحاول وقف القتل والبدء بعملية سياسية. اننا نأمل بالحل السياسي، إلا أن المفتاح بالنسبة إلينا لمنع ارتداد الوضع المتأزم في سورية على لبنان هو أن نبقى متحفظين، وقد قمنا بعمل جيد بإبقاء أنفسنا بعيدين من الأوضاع في سورية حتى لا نقوم بعمل يعتبره البعض استفزازياً، لكن هذا لا يمنع القول إن النظام السوري لا يستجيب دعوات الحل السياسي ولا يبدو أنه يسعى الى التكيف معه بالتوجه نحو الحوار الجدي. نحن نأمل بالحل السياسي الذي تسعى إليه الجامعة العربية. وإذا لم تنجح نقر بأننا سنواجه خيارات جديدة...». وإذ حرص المصدر الديبلوماسي الأميركي على القول إن واشنطن لم تقفز الى الاستنتاج الذي يتردد عن أن الوضع في سورية يتجه الى حرب أهلية «لأننا ما زلنا نتروّى في تقويمنا للوضع»، فإنه رد على أسئلة عما إذا كان تدفق الزوار الدوليين في الأيام الماضية الى بيروت من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الى وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو وقبلهما قائد المنطقة الوسطى في الجيوش الأميركية الجنرال جيمس ماتس، ناجم عن مخاوف من أن ينقل الجانب السوري وحليفه الإيراني الأزمة السورية الى حرب إقليمية أو فوضى، فإنه يتساءل عما إذا كان ذلك في مصلحة سورية وإيران في هذه المرحلة. «وضع الخليج مضبوط» لكن المصدر لا يربط بين زيارة الجنرال ماتس وبين الزيارات الأخرى. فهي مقررة قبل أن نعرف موعد زيارة بان كي مون، وهدفها مناقشة التعاون العسكري مع الجيش اللبناني الذي نحرص على استمراره وبالتالي هي محصورة الهدف بالعلاقات الثنائية العسكرية فقط. أما بالنسبة الى الأمور الأخرى فإن ماتس جاء بعد أن كان منهمكاً في إنهاء الانسحاب الأميركي من العراق. وهو أبلغ محدثيه اللبنانيين حين سألوه عن الوضع في الخليج (التوتر الإيراني – الأميركي في مضيق هرمز) أن الوضع هناك مضبوط (Under control)، أما بالنسبة الى سورية فالأزمة هناك بالنسبة الى الولاياتالمتحدة ليست مسألة عسكرية، بل سياسية. أما في علاقة هذه الأزمة مع لبنان فكما نردد دائماً يهمنا ألا يرتد اللااستقرار في سورية عليه... ولم يخف المصدر سرور الديبلوماسية الأميركية بأن رئيس البرلمان نبيه بري استقبل الجنرال ماتس أثناء زيارته. وأوضح المصدر أن الديبلوماسية الأميركية مرتاحة الى أن بان استفاد من زيارته بيروت لقول الكلام الصحيح، وتدعم ما قاله بالنسبة الى المحكمة وتنفيذ القرار 1701 وسائر القرارات الدولية. وإذ أقر المصدر بأن الأزمة السورية أخذت تتخطى الحدود سياسياً، فإنه كرر التساؤل عن المصلحة في تصدير العنف الى خارج سورية. ورد على السؤال عما إذا كان السعي الى تدويل الوضع في سورية سيقود الى ضغوط من دمشق على لبنان ليخرج عن حياديته بالقول: «طبعاً القيادة السورية إذا قامت بذلك فهي لا تقوم به بحياء، لكن واحدة من حسنات الربيع العربي أن الزعماء العرب أخذوا يتنبهون الى ما يريده الشعب، وأي زعيم أو قائد عربي لا يريد أن يتماهى مع هذا النظام بسبب سلوكه الوحشي. وعلى كل حال لبنان لم يعد عضواً في مجلس الأمن. ولم يعد عليه أن يتخذ قرارات صعبة حول الوضع في سورية». ولاحظ المصدر الديبلوماسي الأميركي أنه لا يمكن وصف الانقسام الإقليمي والدولي حول الأزمة السورية بأنه استقطاب، لأنه لا يحصل بين معسكرين متساويين «ولا نرى ان هناك دولاً كثيرة تساند النظام السوري الذي على رغم حلفه مع إيران يواجه عزلة عربية ودولية. إلا أنه يقر بأن هناك مشكلة لدى المجتمع الدولي في التعاطي مع دول الربيع العربي، فمن جهة هناك دينامية داخلية نشأت بفعل الانتفاضات، إذ إن الرئيس المصري حسني مبارك سقط قبل سنة لكن الثورة مستمرة ولم تتوقف. وفي ليبيا هناك جدال حول تدخل الأممالمتحدة وتحركها ولا نعتقد أن المنظمة الدولية ستتخذ قراراً شبيهاً في ما يخص سورية على رغم أنه إذا أخفقت الجامعة العربية فإن هناك إمكانية لنقل الأمر الى الأممالمتحدة والنقاش يدور بين الدول المعنية حول الطريقة الفضلى لحماية المدنيين وأسلوب حفظ السلم الأهلي. وفي سورية قوى المعارضة ما زالت تناقش بين مكوناتها المختلفة البدائل لديها للاتفاق عليها، وهو ما يدحض القول بأنها تتحرك بناء لحماية أو تحريض خارجيين». ولفت المصدر الى أن روسيا حين تتقدم بمشروع قرار الى مجلس الأمن حول سورية فإنها تساهم في نقل النقاش إليه. وعن حال الاستقطاب اللبناني الداخلي بين قوى تؤيد النظام وأخرى تؤيد المعارضة قال المصدر الديبلوماسي الأميركي إن الفريق الذي يصنف في خانة دعم النظام لا يعلن أنه مع استمرار هذا النظام بل يكتفي بالوقوف ضد تسلّم السلفيين والمتطرفين السلطة، ولا يبدو أنه يقدم دعماً كاملاً للنظام ولكنه لا يعلن ما هو البديل أيضاً، هل هو بقاء الستاتيكو السابق الذي لا يبدو أنه خيار قابل للاستمرار لأنه نظام أصبح خاضعاً للعقوبات والعزل ولا جواب لديهم على هذه المسألة...