بدأت أمس محكمة جنايات القاهرة الاستماع إلى مرافعة الدفاع عن الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه (علاء وجمال)، في شأن اتهامات تتعلق ب «الفساد المالي والتحريض على قتل المتظاهرين»، في جلسة شهدت اشتباكات بين مؤيدي مبارك ومعارضيه. ووجه المحامي فريد الديب سهام نقده في اتجاهات عدة، وشنَّ هجوماً على النيابة العامة، التي رأى أنها كالت الاتهامات خلال مرافعتها إلى مبارك من دون الاستناد إلى أدلة، كما خالفت القانون عندما استخدمت بعض العبارات والألفاظ التي حملت إساءة إلى موكله من دون وجه حق. وقال إنه كان يتمنى على ممثلي النيابة عدم الخروج عن أصول المرافعات. كما شن هجوماً آخر على من وصفهم ب «غير المتخصصين»، الذين طالبهم بأن يرفعوا أياديهم عن القضاة، وأن يكفوا عن قول غير الحق، وعليهم الابتعاد عن إبداء آراء وأحكام من شأنها تضليل الناس من دون وعي أو إدراك لمفهوم الحقيقة. وفي ردٍّ واضح على مرافعة الادعاء (النيابة والمدعون بالحق المدني) الذي كال فيها الاتهامات السياسية لمبارك والفساد الذي شهده عهده، تغزل الديب بالعهد السابق وركز على الإنجازات التي شهدها عهده. وبدا أن الديب يسعى إلى استمالة هيئة المحكمة برئاسة القاضي أحمد رفعت، مؤكداً أن المحكمة على عهدها بقول الحق بأن تحكم بالعدل، وأن توالي نظر الدعوى في جلسات متعاقبة، وأن يكون العدل والحق دستورها الذي لم تحد عنه قط. وشدد على أن هيئة المحكمة لا تخضع مطلقاً لثمة رأي أو اتجاه ولا تخشى في الحق لومة لائم، مشدداً على أن نبراس المحكمة فقط هو قول الحق الذي ينطق به الله على قلبها ولسانها تأكيداً لتحقيقها أقصى درجات العدالة. ورد عليه المستشار أحمد رفعت بالتأكيد على أن حق المتهمين مكفول في إبداء ما يراه في التعليق على المرافعات أو إبداء ما يعنيه من آراء، وأن ما اتخذته المحكمة على عاتقها من إحقاق الحق أن توفر للدفاع تقديم ما يراه من دفوع ومذكرات لحفظ حق المتهمين. وسعى الديب إلى استمالة عطف المحكمة على مبارك، قائلاً «يا قضاة مصر العدول يمثل أمامكم وبين أيديكم... هذا الرجل وهو في الثالثة والثمانين من عمره وقد أنهكته وأثقلت كاهله الأمراض ونهشته افتراءات اللئام، ولا يتطلع إلا إلى عدلكم بعدما أحاط به الظلم من كل حدب وصوب، وبعدما لاكت سمعته وتاريخه المشرف الألسنة والأقلام». وكانت المحكمة بدأت صباح أمس حيث اُحضر الرئيس السابق كعادته إلى المحكمة محمولاً على سريره الطبي، كما حضر نجلاه (علاء وجمال) ووزير داخليته حبيب العادلي. وشهدت ساحة المحكمة حشداً لمئتي متظاهر من المؤيدين لمبارك، الذين حملوا صوره ورددوا لهتافات مؤيدة له رافعين إعلام مصر. كما رددوا هتافات تطالب ب «تبرئته» وهو ما استنفر أسر وأهالي الشهداء في الجهة المقابلة الذين بلغ عددهم ما يقارب 100 شخص حمل بعضهم صوراً ولافتات لمبارك تدعو لإعدامه، فيما حمل آخرون منهم مشانق رمزية كدلالة على مطلبهم بتوقيع حكم الإعدام بحق مبارك. وبدأ فريد الديب مرافعته بسرد إنجازات مبارك التي تناولت تاريخه منذ مولده ونشأته ببلدته قرية كفر مصيلحة (دلتا النيل) في العام 1928 حتى تخليه عن رئاسة الجمهورية في 11 شباط (فبراير) 2011. وأوضح أنه سيتبع منهجاً في مرافعته ينقسم إلى خمسة أقسام... وانه سيتولى الدفاع عن مبارك ونجليه بمفرده، كما سيترافع بالاشتراك مع محامين آخرين عن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي. مشيراً إلى أنه سيبدأ مرافعته عن آل مبارك بالمرافعة الشفوية على أن يلحق بها مذكرة مكتوبة تمثل تتمة لما سيبديه في مرافعته، علاوة على بعض حوافظ المستندات في شأن قضية قتل المتظاهرين والاتهامات المتعلقة بالفساد المالي. واستهل الديب المرافعة بالاستناد إلى كتاب التعليمات العامة للنيابات وكتاب «آداب مرافعة الادعاء»، مشيراً إلى أن المادة 307 تحدد نطاق الدعوى أمام المحكمة من حيث أشخاص المتهمين ومن حيث الوقائع وأنه عندما ترفع النيابة الدعوى عن وقائع، فهي بذلك تحدد نطاقها، وأنه وفقاً لذلك يجب تحديد الأشخاص المرفوع ضدهم هذه الدعوى. ووجه الديب اللوم إلى ممثلي النيابة العامة على ما بدا من جانبهم في مرافعتهم التي استمرت على مدى ثلاثة أيام، لافتاً إلى استخدام النيابة بعض العبارات والألفاظ التي حملت إساءة إلى مبارك من دون وجه حق. وأوضح أن الجانب الأكبر من مرافعته سينصب على الاتهامات المتعلقة باستغلال النفوذ الرئاسي بهدف تربيح الغير المتمثل في رجل الأعمال الهارب حسين سالم. وأوضح الديب أن التعليمات وأداة مرافعة الادعاء العام شددت على ضرورة تجنب تجريح المتهمين أو التعريض بهم في غير ما يقتضي بيان الدليل، وما تتفوه به النيابة العامة من توقيع العقاب والارتقاء والارتفاع من مستوى الاتهام إلى درجة من الموضوعية بسرد الحقائق التي تتضمنها الدعوى، لافتاً إلى أنه كان يتمنى على ممثلي النيابة العامة في القضية عدم الخروج عن هذه الأصول خلال مرافعتهم، وأشار إلى أن ممثلي النيابة أفردوا حديثاً طويلاً عن مسألة توريث الحكم رغم أن قضية التوريث ليست محل اتهام في هذه المحاكمة، على نحو يمثل خروجاً على نطاق الدعوى. ولفت إلى أن حديث النيابة تناول أيضاً زوجة الرئيس السابق بكل سوء رغم كونها ليست من بين المتهمين في هذه القضية، فضلاً عن تناول ممثلي النيابة لمسألة الحسابات المصرفية لمكتبة الإسكندرية ومسألة تتعلق بالاستيلاء على سبيكة ذهبية من دون وجه حق. وأكد أن هذين الموضوعين (مكتبة الإسكندرية والسبيكة الذهبية) تم التحقيق بهما وانتهت النيابة العامة إلى أنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد أي من المتهمين، على نحو يثير التساؤل من جدوى التطرق إلى هذين الموضوعين. وقال «إن ممثلي النيابة سرعان ما كشفوا عن مغزى التطرق لهذه الأمور ألا وهو إمداد وسائل الإعلام بمادة للتجريح والتشهير، وهو الأمر الذي حذا فيه بعض المحامين حذو النيابة وجرحوا بهذا الرجل فبئس هذا الصنيع والهدف. وأضاف «كان المأمول من النيابة العامة أن ينصب حديثها على وقائع الدعوى، غير أنها راحت تستمطر اللعنات على المتهمين بآيات محكمات لا مجال للاستشهاد بها». وبعدها استعراض الديب تاريخ مبارك منذ نشأته ومولده وصولاً إلى منصب رئيس الجمهورية في العام 1981، معدداً إنجازاته مبرراً هذه المقدمة بأنها تأتي لكي تتعرف المحكمة على شخصية المتهم وأن ترى ما في ماضيه وما في حاضره بما يعينها على تحديد الوقائع وتقييمها حق قدرها، وما إذا رأت المحكمة في تحقق هذه المسؤولية في تقرير العقاب حال الإدانة، وهو أمر نص عليه علم النفس الجنائي ولا يعد من قبيل الخروج على آداب المحاكمة أو موضوعها. وأكد أهمية أن يعرف القاضي شخصية المتهم... وقال: «إنني أترافع عمن عمل في خدمة مصر ستين عاماً أو يزيد، ثلاثين سنة منها في خدمة القوات المسلحة وثلاثين سنة أخرى في رئاسة الجمهورية، وهو تاريخ حافل بالنجاح والإنجازات وأيضاً بالإخفاق وعدم التوفيق، فالإنسان لا يوفق أبداً إلا بتوفيق من الله، ووجب أن أبين للمحكمة من هو محمد حسني مبارك الذي اتهم بالاشتراك في القتل واستغلال النفوذ الرئاسي وتظفير الغير للتربح والإضرار بالمال العام، وهي تهم ما أنزل الله بها من سلطان وذات عقوبات مغلظة في القانون». ورأى الديب أن الفضل يعود إلى مبارك في انسحاب إسرائيل عن كامل أراضي سيناء، كما اعتبر أن الفضل في عودة العلاقات المصرية العربية وعودة الجامعة العربية يعود إلى مبارك. وقال «إن مبارك عمل بجد وإخلاص قدر الطاقة والاستطاعة من أجل مصر وشعبها وعاش مهموماً بمشاكل وطنه، وهو بذلك جدير بالإنصاف ولا يصح أن يهيل أحد التراب على جهده وإخلاصه أو يشكك في تاريخه». ورأى أن «مبارك رجل جدير بالتقدير وليس دموياً أو معتدياً، وأنه كان يحكم ولا يتحكم وعادل وغير مستبد احترم القانون وزاد عن حماه وصان القضاء وكان ينزل عن أحكامه، ونال في بلده أعلى الأوسمة والنياشين والأنواط العسكرية وأيضاً خارج مصر مثله لا يمكن أن يرتكب أي فعل مؤثم ينسب إليه». وبعدما اختتم الديب مقدمته طلب من المحكمة استراحة قصيرة ليستهل بعدها الدفاع الموضوعي وحديث القانون في شأن التهمة الأولى وهي الاشتراك في القتل والتي أيضاً تطال وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه، فيما قام عدد من المحامين المدعين بالحقوق المدنية بمقاطعة فريد الديب مرات اعتراضاً منهم على العبارات التي استخدمها والأوصاف وعبارات الاستحسان التي أسبغها على مبارك وهو ما دعا رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت إلى التأكيد عليهم بالهدوء واحترام حق الدفاع في إبداء ما يعن له خلال وقت محدد لمرافعته. ورأى فريد الديب أن كل ما يكتب في الصحف وكل ما يقال في وسائل الإعلام على ألسنة المحامين لا يمكن الاعتداد به، وأنه يجب النظر إلى القضية من واقع المستندات المقدَّمة فقط وإن السلطة العليا في البلاد عندما تصدر أمراً إلى الشرطة المدنية وعندما تعجز الشرطة عن القيام بواجباتها من حق القائد العام أن يحدد المهام التي ترتب عدداً من الإجراءات وفقاً لقواعد القانون، وأن مبارك استعمل سلطاته ولم يتجاوز القانون. وأشار الى أنه لا مجال للحديث عن اتفاق بين رئيس الجمهورية ووزير داخليته لأنه لا مجال لذلك، فمنصب رئيس الجمهورية وفقاً للدستور يفوق ويعلو منصب الوزير. وأوضح أن قرار الاتهام الموجه إلى مبارك من الناحية القانونية لا يصلح لإقامة الدعوى عليه، وقال إن النيابة عجزت تماماً عن إثبات نية القتل، معتبراً أن مبارك ووزير داخليته لم يصدرا أي أمر بإطلاق النار على المتظاهرين، وأن تعليمات مبارك كانت صريحة بفض التظاهرات بالطرق الاعتيادية. واعتبر أن الاتهام الموجه إلى مبارك من جانب النيابة العامة «ظلم وافتراء، ولا يستند إلى أوراق الدعوى أو أنه منقول من أحد البلاغات». وشهدت أولى جلسات مرافعة هيئة الدفاع عن الرئيس السابق مبارك في ختامها أحداثاً ساخنة حيث قام بعض مؤيدي مبارك بالتصفيق احتفاء بمرافعة المحامي فريد الديب والتي أورد فيها بعضاً من الأمور التي ارتكن إليها في دفع تهمة قتل المتظاهرين عن مبارك وهو الأمر الذي دفع المحامين المدعين بالحقوق المدنية إلى اعتلاء المقاعد والهتاف مطالبين بإعدام مبارك واتهام من صفقوا لمرافعة الديب بأنهم من فلول مبارك ومناصريه.