بعض الصحافة السعودية اعتبر تعيين رئيس جديد ل «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» انتصاراً له، وهو مارس هجوماً على الهيئة، رغم ان موقف بعض الصحافيين من رجال الحسبة غير موضوعي. هذا الجهاز له دور مشهود في المجتمع. وتزامن هذا الهجوم مع تصريح لمفتي مصر، علي جمعة، قال فيه ان «خلط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الوظيفة والجماعة هو خلط خبيث يخالف سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تكن هناك جماعة في عهد الرسول تسمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...». وكلام جمعة وُضِع في غير مكانه، وجرى استخدامه سياسياً. في البداية لا بد من تأكيد ان شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست اختراعاً سعودياً أو سياسياً. وهي وردت في سبع آيات في القرآن الكريم، منها ثلاث آيات في سورة «آل عمران»، وآيتان في سورة «المائدة»، وآية في سورة «التوبة»، والآية السابعة وردت في سورة «التحريم». ووجوب هذه الشعيرة ليس محل نقاش او جدل بين الفقهاء والمفسرين، ووجودها في المجتمع الإسلامي «ضرورة دينية عند المسلمين يستدلُّ بها، ولا يستدل عليها». لا شك في أن الحسبة شعيرة واجبة، لكن الإشكالية في خطف دورها، ومعاودة تعريفها. وهي اليوم أصبحت تسلطاً ووصاية وتجريحاً بالدين، وتدخلاً في شؤون الأفراد، وانتهاكاً لخصوصياتهم تجسَّسَ عليهم، وجعل الشك قانوناً، وارتياباً في سلوك المواطنين، ودَهَمَ بيوتهم، وحوَّل شريعة الإسلام الى سلطة تزرع الخوف بين الناس، وتضيِّق على العباد والبلاد، وتحاسب النيات. ومن يقرأ كتاب عبدالرحمن الشرقاوي عن أئمة الإسلام الأربعة سيجد ان تاريخ الحسبة يكرر نفسه، وما يجري في بعض المدن السعودية اليوم، يشبه تماماً ما جرى قبل قرون. الأكيد ان رفض شعيرة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» إنكار للقرآن. لكن استبدال الفضيحة بالستر، ونقل دور الاحتساب من مراقبة الغش التجاري، ومحاربة الشعوذة والسحر والخرافات والشرك، الى مراقبة الناس في بيوتهم، وملاحقتهم في الأسواق والمطاعم والمتنزهات، وكشف أستار الآمنين، وجعل الدين في مواجهة مباشرة مع الناس، تشويه للدين، وخور في ممارسة الشريعة. ناهيك عن ان «تمييز الدين عن الدنيا، وليس فصله، وقايةً للدين، وفتحاً للدنيا».