خُطِفت «الحسبة» في معرض الكتاب السنوي في الرياض. تحول المعرض الى مسرحية سوريالية بامتياز. رواد يفكرون بآفاق رحبة، ومحتسبون ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. بعض كتّاب الأعمدة في الصحافة السعودية لم يلتفت الى الإشكالية الأساس، وهو صبّ جام غضبه على المحتسبين المتطوعين، رغم انهم ضحايا. وهو قارن بين حضارية المناسبة، ودور المحتسبين في تشويه صورة البلد، لكنه غيَّب الأسئلة المهمة. مَن المسؤول عن معاودة تعريف الحسبة؟ مَن سمح بإقامة احتساب يستند الى التسلط والوصاية واحتكار الإسلام وتجريحه؟ مَن كرس احتساباً يتدخل في شؤون الأفراد، يتجسس عليهم وينتهك خصوصياتهم؟ من هو الذي نصّب نفسه لسؤال المواطن، الذي يرافق زوجته أو أمه أو ابنته، هل هي من محارمه أم لا؟ مَن سمح لفئة من الموظفين والبسطاء بتحويل الشك الى قانون؟ مَن فسّر قوله تعالى «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» الى سوط وصاية، وارتياب في سلوك البشر، ودهم بيوتهم؟ مَن المسؤول عن تحويل الشريعة الإسلامية السمحة والحضارية الى سلطة تزرع الخوف والرعب؟ مَن جعل فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة للتضييق على العباد والبلاد، ومحاسبة النيات؟ مَن شوّه صورتها، وعلى نحو يعدّ سابقة في تاريخ الشرائع السماوية؟ لماذا أصبحت هذه الشعيرة العظيمة «وسيلة لمكاسب سياسية أو حزبية لفئات تقتات على المزايدة بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»؟ مَن هو المسؤول عن ظهور هؤلاء الشباب المتحمس؟ من صنع أفقهم الضيق؟ لماذا يعاود بعض الشباب تكرار تجارب الاحتساب خارج سلطة الدولة؟ مَن نقل دور الاحتساب من محاربة الشعوذة والسحر والخرافات والشرك، الى مراقبة الناس في بيوتهم، وملاحقتهم في الأسواق والمطاعم والمنتزهات، وكشف أستار الآمنين؟ مَن سمح باستبدال الفضيحة بالستر؟ مَن جعل الدين في مواجهة مباشرة مع الناس، وعلى هذا النحو الذي لم يرد في كتاب الله ولا سنّة نبيه؟ أليس «تمييز الدين عن دنيا الناس وليس فصله، وقايةً للدين، وفتحاً للدنيا»؟ لم يبحث أحد عن إجابة. لكن الصحف السعودية نقلت خبراً يقول إن «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» تبرّأت من هؤلاء الشباب. هل يكفي أن تتبرأ؟ ستبقى الأسئلة طالما الإجابة غائبة.