لوّح رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين بخطوات قوية تنوي موسكو اتخاذها رداً على «الخطوات الأحادية» للغرب، بعد عودته المتوقعة الى الكرملين رئيساً في آذار (مارس) المقبل. واستبق بوتين أمس، حملة غربية قوية ضد عودته الى السلطة بدأت مقدماتها تتضح أخيراً، محذراً مَن وصفهم بأنهم «الشركاء الغربيون» من أنه لن يسمح في حال فوزه في انتخابات الرئاسة ب «الخطوات الانفرادية على الساحة العالمية، والتي لا تراعي رأي روسيا ومصالحها». وكانت وسائل إعلام غربية شنت حملات واسعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، ركزت فيها على ازدياد الاستياء في الشارع الروسي من سياسات بوتين، واحتمالات عودته الى مقعد الرئاسة عبر انتخابات مشكوك بنزاهتها. ولجأت موسكو الى اتهام بلدان غربية بتمويل مجموعات معارضة وتحريضها لتوسيع نشاطها في الشارع الروسي. واعتبر خبراء أن اللهجة القوية ضد الغرب التي تضمّنها برنامج بوتين الانتخابي، والذي نشِر أمس على موقعه الرسمي، تدخل في إطار تحضيرات القيادة الروسية لمواجهة ضغوط إضافية محتملة خلال المرحلة المقبلة. إذ أعرب بوتين في البرنامج الذي قال مساعدون أنه كتبه بنفسه عن اقتناعه بأنه «لا يجوز تحديد قواعد اللعب في الاقتصاد والسياسة الدولية من وراء ظهر روسيا، أو بمعزل عنها وعن مصالحها». وأكد أن «التعاون الدولي طريق ذو اتجاهين»، مشدداً على السعي الى «التعاون البنّاء والحوار في شأن قضايا مكافحة الإرهاب الدولي، والرقابة على الأسلحة، وصون الأمن العام». وجاء في البرنامج: «خطوات شركائنا الانفرادية التي لا تراعي رأي روسيا ومصالحها، ستلقى التقويم المناسب وردّنا المقابل». ولفت خبراء الى أن تهديد بوتين لا يقتصر على ملفات الخلافات الأساسية التي طغت على علاقات روسيا مع الغرب خلال السنوات الأخيرة، وبينها الدرع الصاروخية الأميركية التي ستنصب في أوروبا وخطط توسيع حلف الأطلسي شرقاً وملفات أمن الطاقة وإمداداتها والغاز الطبيعي، وعلاقات روسيا مع جاراتها في الفضاء السوفياتي السابق. إذ عادت الى الواجهة أخيراً مسائل كانت تعد أبرز قضايا الخلافات في عهود الإدارات الأميركية السابقة، وعلى رأسها الحريات والديموقراطية في روسيا، كما أضيفت أخيراً مسائل تباينات حادة بينها سبل التعامل مع القضايا الإقليمية، خصوصاً الملف النووي الإيراني والوضع في سورية. وأشار بوتين في برنامجه الى أن روسيا «استعادت خلال السنوات الأخيرة موقعها بين القوى العالمية الرئيسة»، معتبراً أن مكانتها الحالية وقدراتها تؤهلها للعب دور أوسع، وتجعل مشاركتها في الشؤون الدولية «ضرورية أكثر فأكثر». وعلى رغم أن الجزء الأكبر من البرنامج ركز على قضايا معيشية داخلية، لفتت الفقرات المتعلقة بالسياسة الخارجية والأمن المراقبين. إذ شدد بوتين على عزمه مواصلة تعزيز القدرات العسكرية والإنفاق على الجيش، وقال: «سنزوّد القوات أسلحة جديدة وحديثة، وسنركز الاهتمام على حماية الأفراد بأقصى درجة، سواء في ساحة المعركة، أم في زمن السلم». وأعلن أن «القوات المسلحة الروسية يجب أن تكون قادرة على التصدي لأي نوع من الأخطار المحتملة، ونحتاج الى جيش وأسطول بأعلى درجات التأهب، للقتال والتأهيل والتحرك السريع». كما لفت أيضاً أن البرنامج المقترح اشتمل فقرات واسعة عن تعميق المشاركة المدنية والشعبية في اتخاذ القرارات، والتعامل مع المستجدات، في ما بدا محاولة من بوتين لامتصاص النقمة الشعبية التي ظهرت خلال احتجاجات عمّت المدن الروسية أخيراً، ضد «تزوير» انتخابات مجلس الدوما. إذ تعهد بوتين إنشاء «آليات عملية لرقابة اجتماعية على عمل السلطات في الميادين الحساسة ولمواجهة مظاهر الفساد وعدم الفعالية، وتعزيز الخدمات العامة، وعمل هيئات حفظ النظام». كما وعد في برنامجه بتسهيل التدابير المتعلقة بالنظر في اعتراضات المواطنين على أداء مؤسسات الدولة، مقترحاً استحداث «محاكم إدارية» لهذا الغرض. ولمّح الى تخفيف قبضة الأجهزة الأمنية في البلاد، معرباً عن اقتناعه بأن «هناك حاجة الى إعادة استيعاب منظومة حماية المصالح العامة، والتخلي عن أساليبها القمعية المفرطة، لأن هذا الوضع يشوّه مجتمعنا، ويضرّ به».