لم يكن في خلد الشاب البرازيلي نيلسون دا سيلفا أن يجد شريكة حياته في ملعب كرة قدم وأن تكون عاشقة للعبة أكثر من كل البرازيليين مجتمعين، كما تكرر أمها دائماً. تقدم نيلسون للزواج من خريجة التربية البدنية سارا ميغيل حين كانت في ال23 من عمرها، بعد نهاية بطولة كأس القارات 2001. لم تتردد سارا في الموافقة، لكنها اشترطت على نيلسون ما جعله يبتسم ساخراً منها: "أريد حضور نهائي كأس العالم العام المقبل، البرازيل ستكون طرفاً لا أعلم ضد من، لكني أعرف أنها ستفوز بالبطولة، وأريد أن أكون شاهدة على ذلك". لم تكن ابتسامة نيلسون الساخرة إلا قراءة لواقع يقول إن البرازيل ليست مستعدة لمحفل عالمي كهذا. كان هناك خوف كبير بعد خروج وصيف بطل كأس العالم 1998 من كأس القارات التي أقيمت في كوريا الجنوبية واليابان. لم يكن خروجاً فحسب، بل لم يقدم لاعبو البرازيل ما كان يمكن ان يشفع لهم في تلك البطولة، إذ خاضوا في دور المجموعات ثلاث مباريات فازوا في واحدة منها فقط، وخسروا في نصف نهائي البطولة من فرنسا 1-2، ليتواجهوا مع أستراليا في مباراة "ترضية" لتحديد المركز الثالث والرابع ويخيبوا آمال جماهيرهم بخسارتهم أمام بلد ليس له تاريخ في كرة القدم. وعلى رغم ذلك، كانت الشابة سارا تدعو في المنتديات الكروية إلى التفاؤل بالمنتخب البرازيلي، وتكتب تحت اسمها المستعار الذي التصق بها، "الساحرة البرازيلية"، أن بلادها ستكون طرفاً في المونديال المقبل، وأن أبناء المدرب لويس فيليب سكولاري سيحققون اللقب الخامس للمنتخب الأصفر، لكن البرازيليين كانوا مشغولين بقرار مدرب المنتخب الذي استبعد روماريو من التشكيلة الرسمية مع أن الأخير كان هداف البرازيل في تصفيات المونديال، وهداف الدوري البرازيلي في 2001، إذ سجل 42 هدفاً في 41 مباراة شارك فيها. وبدأت الحملات ضد المنتخب والمدرب حتى أن الرئيس البرازيلي فرناندو كاردوسو طالب حينها بضم نجم البلاد إلى تشكيلة المنتخب الوطني، لكن سكولاري الذي بدأت تدعوه "الساحرة البرازيلية" في المنتديات ب"هتلر البرازيل"، رفض الاستماع إلى الرئيس والملايين من عشاق روماريو، وذهب إلى كوريا الجنوبية واليابان من دونه. بدأت "الساحرة البرازيلية" بالدفاع عن "هتلر البرازيل" صاحب الشخصية القوية، خصوصاً بعد أن ختم منتخب "السامبا" مباريات المجموعة متصدراً ب9 نقاط و11 هدفاً ليتأهل إلى دور ال16. كانت سارا تحلل في مدونتها القصيرة مباريات البطولة وتقول إن "البرازيل ستفوز بالموهبة"، وكانت تنقل إلى مواطنيها يومياتها من أرض آسيا، وتقص عليهم أن العالم لا يشاهد البرازيليين فقط في كأس العالم، لأن معظم دوريات الأجانب الذين قابلتهم في ملاعب البطولة يملكون أكثر من لاعب برازيلي في أنديتهم. ونقلت إلى متابعيها قصة السعودي الذي قابلته في أحد الفنادق وهو يحكي لها أن المعلقين في بلاده يصفون الركلات الحرة الثابتة حين تكون في أرجل الأجانب البرازيليين بأنها ضربات جزاء محققة. نجحت البرازيل في الفوز في مباريات خروج المغلوب على بلجيكا في دور ثمن النهائي وإنكلترا في ربع النهائي، وعلى تركيا في نصف النهائي لتقابل ألمانيا في النهائي، بعدما تناوب لاعبوها على تسجيل أمتع 15 هدفاً في المونديال، لتتحقق توقعات "الساحرة البرازيلية" التي كانت في الأشهر الأخيرة من حملها. فازت البرازيل في نهائي 2002 واستطاعت أن تعيد الأفراح الى الكرة الوطنية بمواهب تناوبت بعد ذلك على الفوز بجوائز أفضل اللاعبين في أوروبا والعالم حتى 2006. نكستا 2006 و 2010 عادت سارا ميغيل إلى هوايتها مع مونديال 2006 في ألمانيا، وبدأت تحلل مستوى منتخب بلادها في مباريات البطولة، حتى خرجت البرازيل أمام المنتخب الفرنسي في الدور الربع النهائي لتعود وتمسح كل ما كتبته في مدونتها عن المونديال، إلا سطراً واحداً كتبت فيه: "الجنرال زيدان يهزم أعظم جيل عرفه منتخب البرازيل". ويتكرر الحال بعد مونديال جنوب أفريقيا في 2010، إلا أنها كتبت ملخصاً لحال المنتخب تبصرت فيه شكل البرازيل في مونديال 2014 وتساءلت: "هل لا تزال هناك مواهب مختلفة في البرازيل؟". البرازيل 2014 "كأس العالم سيُنسي فقراء البرازيل فقرهم"، هكذا كانت تعتقد "الساحرة البرازيلية" التي عادت إلى الكتابة بعد 4 أعوام من التوقف، لتكوّن طقساً خاصاً لمن تابعها في كؤوس العالم الثلاث الماضية. كانت قررت هجرة التدوين الرياضي والالتفات إلى بعض التعليقات السياسية مع الاضطرابات الحاصلة في بلادها بسبب المونديال، بالإضافة إلى الاستمتاع بالبطولة مع زوجها وابنها البالغ 12 عاماً من دون الركض خلف البحث والتحليل. لكن مستويات المنتخبات المشاركة في كأس العالم والمفاجآت التي حققتها الفرق الصغيرة كانت حافزاً لها أن تبحث خلف تساؤل قديم يعود إلى 2010: "هل لا تزال هناك مواهب مختلفة في البرازيل؟". تتابع الشغوفة بكرة القدم في مدونتها: "تأهلت منتخبات مثل تشيلي وكولومبيا، ومنافستها لنا تثير التساؤل، هل تطورت الكرة العالمية، أم توقفت كرتنا عن إنجاب مواهب مختلفة؟ هل بكاء لاعبينا وهم يسددون الركلات الترجيحية أمام تشيلي مؤشر يقول إن الكرة البرازيلية لم تعد كما كانت؟ على رغم خسارة جيل 2006 أمام زيدان لم نر مثل هذه اللحظات من الضعف". ثم تجيب نفسها بنفسها: "يبدو أن كرة القدم لم تعد حكراً علينا، كما أن مواهبنا لم تعد تشكل الفارق الكبير في كرة القدم العالمية". وكانت الخسارة الكبيرة أمام المنتخب الألماني القشة التي قصمت ظهر البعير لتصرخ من الملعب هذه المرة وسط حال من الصمت في المدرج البرازيلي: " سكورلاي أيها المدرب العظيم، أنت لم تعد تملك لاعبين عظماء، إذهب واعتذر من روماريو فلعل روح العجوز الذي قارب الخمسين من العمر تعطي أكثر مما يعطي أولادك في الملعب... لقد هزمك الجنرال موهبة يا هتلر، هزمك الجنرال موهبة يا سكولاري".