«جثث وجرحى في الشوارع، وقرى كاملة في درعا بلا حياة». بهذه الكلمات يصف علي أحمد وهو أحد الشبان السوريين المقيمين في عمان الأوضاع في مدينته التي شهدت انطلاقة الثورة السورية. وعلي (26 سنة) واحد من كثيرين هربوا من حكايات يصفونها بالمفزعة، ونجحوا في التسلل والوصول إلى مدينة الرمثا الأردنية (91 كلم شمال العاصمة عمان). بصوت مرتفع، يصرخ الشاب السوري قائلاً: «درعا تموت». الخوف والقلق كانا واضحين على وجهه، وهو يقف على ربوة محاذية لبوابة الحدود المحاطة بحراسة قوات الأمن الأردنية، متحدثاً عن قصف القرى الحدودية التي تشهد تظاهرات مناوئة لنظام الرئيس بشار الأسد. يقول: «يموت الناس في درعا وقراها المحاصرة لأتفه الأسباب. الشبيحة والأمن قتلوا عشرة من أبناء عمومتي، كانوا يحاولون تقديم المساعدات للعائلات المنكوبة. أحدهم اخترق الرصاص رأسه وتطايرت أشلاؤه على قارعة الطريق». ويضيف: «ما يجري في درعا وبانياس وغيرها من المدن المطالبة بالحرية مجازر بشعة، لم تكشف الكثير من فصولها بعد». ويكشف صالح الزعبي (22 سنة) فصولاً أخرى من أحداث العنف في سورية «الشبيحة يحرقون الصيدليات ومحال المواد الغذائية. هناك محاولة لتجويع الناس وقتلهم بدم بارد». وبينما يحاول أحدهم الاتصال بعائلته المحاصرة في «درعا البلد»، يستذكر اللحظات الأخيرة التي عاشها هناك قبل 3 أشهر. ويقول: «شاركت في تظاهرة انطلقت من أمام المسجد العمري، حينها وجه الأمن فوهات بنادقه إلى صدور المتظاهرين وسقط العديد من الشهداء». ويرفع عبد الرحمن (22 سنة) كفيه إلى السماء أملاً في «تفريج الكرب عن أبناء شعبه»، بينما يروي قصصاً عن مقابر جماعية قائلاً: «اكتشفنا العديد من المقابر الجماعية التي باتت شاهداً على جرائم النظام. في قرية نصيب التي هربت منها وعائلتي وجد الأهالي أربع مقابر جماعية لشبان كانوا يهتفون للحرية والكرامة». يحاول أحمد استرجاع شريط الذاكرة لأشهر مضت عندما اضطر لعبور حقل ألغام في المنطقة الحدودية. يجثو على ركبتيه مخاطباً طفله الصغير بصوت متقطع: «لحظات مريرة عشناها عندما اختطف ولدي لأيام، وعندما تعرضت زوجتي للقنص على الحدود. أعز أصدقائي قضى وهو يحاول الهرب من الموت المحتّم عبر شريط الألغام». وفي لحظة توجهت أنظار أحمد وزوجته وطفلهما إلى الحدود الأردنية، وبدأ عبورهم المحفوف بالخطر والموت وسط حقول الألغام. أبراج المراقبة كما يقول أحمد كانت ترصد عملية الفرار، ومعتلوها في ذات الوقت كانوا يطلقون النيران من فوهات البنادق. حكايات الموت لم تكن مقتصرة على عائلة أحمد، فعلي المجذوب أحد الشبان الذين نجحوا بالفرار إلى الأردن، قال: «الفارون إلى الأردن وتركيا يموتون على الطرقات». وتقدم بسمة العمري (28 سنة) وإحدى الذين نجحوا بالفرار - شهادة مماثلة فتقول: «اثنين من أقاربي قتلا برصاص الأمن السوري، عندما حاولا العبور إلى الأردن». فيما يستذكر حمزة الزعبي (21 سنة) الأيام التي عاشها مع رفاقه في الحقول هرباً من مطاردات الأمن «الملاحقون يموتون من شدة البرد ونقص الطعام». وترتبط الرمثا ارتباطاً اقتصادياً وثيقاً بدرعا التي تبعد عنها قرابة ثلاثة كيلومترات، كما أن صلات قربى ونسب تجمع سكان المنطقتين. لا توجد أرقام حكومية دقيقة لأعداد اللاجئين السوريين الذين نجحوا بدخول الأردن، بيد أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تؤكد أن قرابة 1500 لاجئ سوري فروا إلى المملكة جراء العنف في بلادهم. وتفيد المفوضية في آخر إحصائية صادرة عنها، أن هنالك بضعة آلاف دخلوا الحدود بطرق غير شرعية ولم يتم تسجيلهم لغاية هذه اللحظة، مشددة على تقديم خدماتها بحسب المصادر المتاحة. وعلى صعيد متصل، تتحدث جمعية «الكتاب والسنة» الناشطة في تقديم المساعدات للاجئين، عن وجود 1000 سوري في مدينة الرمثا يتوزعون على 180 عائلة تقدم لهم الجمعية خدمات دفع إيجارات البيوت والأغطية الشتوية وأدوات الطبخ والكهربائيات، إضافة إلى الخدمات الطبية. ويقول مدير الجمعية زايد غيث، إن هناك 800 عائلة أخرى وصلت إلى مدينة المفرق الحدودية، مشيراً إلى ارتفاع أعداد تلك العائلات في مدينة إربد التي أطلقت فيها حملة من قبل اللجان الشعبية، لجمع المساعدات الطبية والغذائية التي يحتاجها السوريون. وتنظر مصادر رسمية للعلاقات مع سورية بنوع من الحساسية، ولا تخفي قلقها من تأثر المملكة نتيجة توتر الأوضاع لدى جارتها الشمالية. وكانت وزارة الخارجية طلبت أخيراً استثناء قطاعي التجارة والطيران الأردنيين من العقوبات العربية بحق دمشق. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين منذ العام 2000 قرابة سبعة بلايين دولار، وفقاً لدائرة الإحصاءات الأردنية العامة.