غنت اليونانية كاترينا فلاكو وأطلقت صوتها الصافي تحيةً للحب والصداقة وسرداً لقصص الهجرة والشجاعة، ناشرة ألواناً من البهجة والخفة على جمهور المهرجان الدولي السادس للموسيقى الأندلسية والموسيقى القديمة (فيماما) الذي اختتم ليلة أول أمس على أنغام المجموعة الموسيقية المغاربية التي عزفت وغنت تحت قيادة الفنان ومحافظ المهرجان رشيد قرباس. كانت السهرة ما قبل الأخيرة للمهرجان رحلة جميلة عبر الزمن، سافرت خلالها الفنانة الشابة كاتارينا فلاكو بين اليونان وتركيا وحملت معها الجمهور الذي ملأ قاعة ابن زيدون برياض الفتح في الجزائر العاصمة، على متن أغانٍ تراثية يونانية تعود إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر تستعيد على أنغامها ما تختزنه المخيّلة عن الحضارة الإغريقية القديمة. وقد زادت الموسيقى التي عزفتها الفرقة الموسيقية «ثلاثي كاريسما» المرافقة لكاتارينا الرحلة سحراً بفضل العزف المتقن على العود والقانون والطبل. آلات قديمة إذا كان ثمة قاسم مشترك بين الفرق الأجنبية العديدة التي شاركت في هذا المهرجان فهي الآلات الموسيقية القديمة التي قدمها الفنانون المشاركون كجزء من المشهد التراثي. أما الشعور الذي ينتابك عند سماع مختلف الأغاني والموسيقى الآتية من المغرب العربي وأوروبا وآسيا فهو الانتماء إلى إرث إنساني مشترك صنعته النوتة والمتعة التي تمنحها للمستمعين هواة كانوا أم متخصصين. ولقيت الحفلة إعجاب كثير من الحاضرين. وقالت سعاد إن الموسيقى اليونانية غير غريبة عن الأذن «وتذكر بالموسيقى التي نعرفها في البحر الأبيض المتوسط». وأضافت أن ما لفت انتباهها هي الآلات التي «اعتقدت أنها حكر على الأنامل العربية» والتي فوجئت ببراعة عزف اليونانيين عليها بخاصة العود. وقال كريم الذي يعرف نفسه بأنه من هواة الموسيقى الأندلسية وفضولي، إنها المرة الثانية التي يحضر فيها سهرات المهرجان بعدما فتحت حفلة الفرقتين النمسوية والتونسية شهيته لحضور سهرات أخرى. وأضاف: «جئت في المرة الأولى للاستمتاع بالمالوف التونسي فاكتشفت بالمناسبة مجموعة أورفيون النمسوية التي كانت مبرمجة في السهرة نفسه. وكان أكثر ما أدهشني هي الآلات الموسيقية القديمة التي استعملتها فرقة خوسيه فاسكيز... قبل حضور هذا المهرجان لم أكن أعلم بوجود موسيقى قديمة في النمسا ما زال نمسويون يعزفونها ويحيونها». يذكر أن مجوعة أورفيون على ما يفوق المئة آلة موسيقية قديمة تعود إلى ما بين 1570 و1870، كما يقول مؤسسها خوسيه فاسكيز الذي قال أيضاً إن هذه الآلات وضعت تحت تصرف فرقته بمجرد الانتهاء من تجديدها. وحازت سهرة أرشد علي خان من الهند فضول الجمهور الذي خرج معجباً ومرتاحاً كمن حط من جولة تحليق سماوية، إذ تجاوز الاكتشاف ما كان متوقعاً. وعلق حسام بعد اختتام السهرة: «لقد قرأت قليلاً عن البرنامج الهندي قبل بدء السهرة ومع ذلك ظللت أفكر أن العرض لن يكون مختلفاً عن الموسيقى الفولكلورية الهندية. وفوجئت بالرحلة الروحانية التي حملنا فيها أرشد علي خان الذي لم أسمع عنه قبل اليوم. لقد عشت وقتاً أشبه بالعلاج النفسي لأني خرجت من الحفلة وأنا أشعر بخفة غريبة». بينما اختصرت مايا تعليقها بالقول: «إن هذه السهرة وحدها تبرر تسمية المهرجان حول الموسيقى القديمة». وأحدث المزج بين صوت الفنان الشاب وعزف السارانجي وإيقاع الطبل جواً فريداً وجديداً على الأذن الجزائرية الأقرب إلى ألوان الموسيقى التقليدية المتوسطية، وتعرف الجمهور المنبهر على الموسيقى التقليدية الهندية التي لا تمت بصلة الى ما تعرضه أفلام بوليوود كما يبدو. وبدا أرشد الشاب متحكماً في أداء موسيقاه، وهو ليس بالأمر الغريب على حفيد مايسترو السارانجي خان شاكور. كما يمثل أرشد مفخرة مدرسة «الغرانا كرانا» التي ينتمي إليها بفضل موهبته التي حملته إلى أكبر مسارح الفن القديم في العالم. من الهند والصين وإيران، إلى النمسا واليونان والبرتغال وإسبانيا، إلى تونس والمغرب والجزائر وبقية الفرق العشرين التي شاركت في مهرجان الموسيقى الأندلسية والموسيقى القديمة الذي بدأ بغناء مجموعة تلمسان للأغنية الأندلسية واختتم أمس بعزف الفرقة المغاربية بقيادة رشيد قرباس الذي اعتبر»قال إن «مهرجاناً كهذا يسمح لنا بالتأكيد أن المغرب العربي ليس صحراء ثقافية وأن أجدادنا ساهموا في التاريخ الموسيقي للإنسانية عندما تركوا لنا جوهرة اسمها النوبة. وعلينا أن نكون في مستوى هذا الإرث».