تعيش بلادنا في هذا العهد الميمون - عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - نهضة شاملة، تكاد تكون خرافية، غير مسبوقة على الإطلاق، والواقع يصدق ذلك ولا يكذبه، منظومة متكاملة من المشاريع المتنوعة، تدعمها سياسة حكيمة راشدة، جعلت من أولويات اهتماماتها، مصلحة الوطن ورفاهية المواطن، كان لقطاع الإعلام والثقافة منها أوفر النصيب، هذا القطاع الذي دعمه الملك بسياسة الانفتاح على الآخر، جسده بالدعوة للحوار بين أتباع الديانات، قبولاً مشروعاً لمبدأ الرأي والرأي الآخر، وفق ضوابط الحوار السليم، البعيد عن التعصب والتشنج وسياسة الإقصاء، وعنترية التراشق البغيض. لكن يا ترى هل ما يدور في ساحتنا، عبر منابر الإعلام المختلفة من حوارات ونقاشات في المسائل المختلفة، الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، يعد مقبولاً في نظر القراء؟ هل هذا الصراخ والصياح في القنوات الفضائية، وهذه السهام المقيتة الموجهة للبعض عبر الأقلام في الصحف، تعد في الاتجاه السليم؟ هل كل ما يجري في ساحتنا الإعلامية، يُعد حراكاً ثقافياً في العرف الإعلامي؟ هل يا ترى ما نشاهده ونقرأه، يتناغم مع سياسة المملكة الإعلامية، التي جاء في مادتها «25» ما نصه: «يعتمد الإعلام السعودي على الموضوعية في عرض الحقائق والبعد عن المبالغات والمهاترات، ويقدر بعمق شرف الكلمة ووجوب صيانتها من العبث، ويرتفع عن كل ما من شأنه أن يثير الضغائن ويوقظ الفتن والأحقاد». لعلي لا ألقي حكمي جزافاً، إذا قلت إن واقع معظم ما يحدث بين أصحاب الرؤى المختلفة تجاه بعض القضايا، لا يعدو كونه تراشقاً محموماً مذموماً، كل طرف يرمي من يخالفه بسهامه الخارجة عن أدب الحوار، يوشك هؤلاء الأخوة أن يقعوا في المحذور! وقديماً قال الشاعر في شطر بيته... «ومعظم النار من مستصغر الشرر»، إي والله، قد ينشأ الاختلاف والخلاف في وجهات النظر في بعض الأطروحات ذات العلاقة بالقضايا الحساسة، يكون في بدايته، مجرد تغاير في وجهات النظر، يتطور رويداً رويداً مع الحماسة تحت سقف وهج الإعلام الحارق، حتى يطغى الانتصار للذات ويبدأ رمي التهم الجارحة على الآخر، ويمرق الطرفان عن دائرة الحراك المطلوب إلى نفق العراك المذموم، كما يمرق السهم من الرمية. على رأس هرم الثقافة والإعلام في بلادنا العزيزة، أديب، ومثقف، استطاع بحلمه، وتواضعه، وسعة أفقه، أن يحتوي جميع أطياف المجتمع من المثقفين والدعاة والفنانين وغيرهم، دوماً يؤكد الوزير «خوجة» في اجتماعاته مع رؤساء تحرير الصحف، ومع مسؤولي القنوات الإعلامية، وفي تصاريحه ومداخلاته في المؤتمرات والندوات والملتقيات ذات العلاقة، حرص القيادة الرشيدة على قدسية أمانة الكلمة وشرفها العظيم، ويؤكد على أهمية المحافظة على نسيج المجتمع وتآلفه، بالبعد عن المناكفات والمهاترات الغوغائية والعقيمة عبر المنابر الإعلامية، وهي التي - أي المهاترات - عادة ما تسهم في خلق أجواء قاتمة، وإن لم تقصد لذاتها، لا يدرك أطرافها مآلاتها السلبية، التي تقدم خدمة ذهبية - غير محسوبة - للأعداء المتربصين، ولعل من حسن الطالع أن مسؤولي الإعلام والثقافة في بلادنا، سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص، خصوصاً رؤساء تحرير الصحف، يدركون خطورة التساهل في هذا الأمر، وكثيراً ما نشعر بمواقفهم الصلبة تجاه مثل هذه المهاترات والصدامات والتراشقات المصادمة للمبادئ والأخلاق المهنية، يضعون حداً فاصلاً لها، لا يتيحون الفرصة لتناميها بين شرائح المجتمع، بل يغلقون بابها بالضبة والمفتاح، يسيرون في خطاهم وتوجهاتهم جنباً إلى جنب، مع السياسة الإعلامية للدولة. أبو المشكلات وأم المهالك، ذلك التراشق الذي يكون أحد طرفيه، أكاديمي شرعي، يتنابز على الملأ مع من هو أقل من مستواه العلمي، نعم لا يستقيم الحوار أبداً، متى ما كان الطرفان فيه، غير متكافئين، فضلاً عن ابتعادهم عن أدبه، ويعظم الخطب، عندما يرفع طرف ثالث عقيرته وهو متدثر بالدين (مظهراً) يلج من هذا الباب، معتقداً أنه مشارك في الطرح ليس إلا! فإذا به يشطح هو الآخر، ويؤجج الصراع والصراخ، ويؤلب طرفاً على آخر، بدلاً من أن يضيق هوة الخلاف، وهو بهذا السلوك المشين؛ كمن يمشي بالنميمة، وهو أمر تنفر منه النفوس، ولا تقره العقول السوية. dr-al -jwair@ hotmail.com