بسرية تامة قرر الجيش البريطاني عام 1942 تكوين فرقة تحمل مسمى «منظمة نشر الإشاعات» أو (Underground Propaganda Committee) تتولى هذه المنظمة دور صناعة الإشاعة ونشرها بهدف استخدامها كسلاح لمواجهة الجيش الألماني، وخلال مرحلة عملها خلقت هذه المجموعة كماً كبيراً من الإشاعات لم ينجح العالم حتى اليوم في فصل معظمها عن الحقيقة، الجيش الأميركي لم يكن أقل خبثاً من نظيره إذ تعاقد إبان الحرب العالمية الثانية مع الباحث روبورت كناب وكلفه بمهمة واضحة وهي صناعة دليل يوضح تقنيات صناعة الإشاعة وطرق نشرها ليستخدمها من أسماهم الجيش في ذلك الوقت ب «مهندسي الإشاعات». ووفقاً لما قدمه كناب للجيش الأميركي فإن الإشاعة القادرة على الانتشار يجب أن تأتي بسيطة قبل كل شيء وقابلة للتصديق من خلال ترك مساحة مقنعة لخلفية قصصية تستند عليها الإشاعة لتكسب ثقة ناقلها، كما ربط قوة الإشاعة بمدى ارتباطها بالمواضيع التي تنشغل بها المجموعة المستهدفة وكم العواطف التي تثيرها. وفي نهاية الألفية الماضية أكدت دارسة ألمانية أن العالم كله سيعرف الخبر نفسه خلال ثلاث ساعات متى ما نقله كل متلق لثلاثة أشخاص من حوله، كل هذه المعلومات ظهرت قبل رواج مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و «تويتر» وغيرها وأجهزة المحادثة المحمولة مثل «البلاك بيري». وفي ظل انتشار هذه التقنيات لم تعد عملية صناعة أو نشر الإشاعة بحاجة لمهندسين أو دراسات، فاليوم يستطيع أياً كان خلق إشاعة مع ضمان انتشارها متى التزم بحصرها في إطار المعقول فقط، إذ أسهمت المواقع الإلكترونية وغيرها من التقنيات في نقل عدد من الإشاعات التي تبدأ بسيطة وسرعان ما تنتقل لمرحلة التأرجح في وسائل الإعلام الرسمية بين النفي والتأكيد، إذ تتصدر الأنباء حول إجازات المعلمين والطلاب قائمة هذه الإشاعات فتخرج أنباء مؤكدة تمديد الإجازة قبل أن يتم نفيها، وهو مااضطر قناة «العربية» الإخبارية قبل أشهر لإصدار تصريح رسمي ينفي علاقتها بحساب مزور في موقع «تويتر» تم عن طريقة نشر خبر تمديد الإجازة الرسمية قبل أن تؤكد القناة بأن الحساب لا يمثلها وأن أحدهم حاول صناعة حساب مشابه لترويج الإشاعات من خلاله. وفي ظل الأوضاع المضطربة في عدد من الدول العربية والتهديدات الإيرانية لأمن دول الخليج والمنطقة باتت الدول العربية على علم بمدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحديث وهو ما دفع دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء معرف خاص بها، يعنى بنقل الأخبار الرسمية كافة من مصادرها المعروفة وإلى المستخدمين في «تويتر» تحت اسم «gccsocial@»، ويبدو أن مثل هذه الخطوات ستنتشر أكثر في الأيام القادمة رغبة في وقف انتشار الإشاعات. الإشاعة التي تنطلق بسيطة أحياناً تعرف طريقها جيداً إلى عقول المتابعين والمهتمين، فمتى تم تجاهلها تماماً تحولت بشكل غير مباشر إلى حقيقة لا تقبل الجدال، إذ ان القضايا العامة الاجتماعية التي تشغل شرائح المجتمع كافة، وهي مرتع خصب لزراعة الإشاعة الأكثر قوة، وتجلى ذلك واضحاً في حادثة احتراق مدارس «براعم الوطن» الأسبوع الماضي في مدينة جدة. وبينما غطت وسائل الإعلام المحلية الحدث بشكل واضح ونقلت الأحداث كاملة بما فيها وفاة معلمتين وإصابة أكثر من 50 طالبة وبالتفاصيل الدقيقة والتقت ذوي الطلاب وعائلتي المعلمتين المتوفيتين إلا أن إشاعات مختلفة لاحقت القضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتنقل القصص بشكل مختلف، فبينما أصر البعض على أن وسائل الإعلام وبالتعاون مع الجهات الأمنية حاولت إخفاء المعلومات الدقيقة عن حجم الأضرار وأعداد الوفيات ذهب البعض الآخر لوصف التغطية الإعلامية بالمؤامرة التي بحثت عن إخفاء حقيقة وفاة أكثر من 42 طالبة، وعلى رغم أن مظاهر العزاء والحزن لا تحجب بغربال، خصوصاً في الأحداث الضخمة أو الكارثية وعلى رغم أن الحقيقة كانت واضحة بخروج أهالي الضحايا للتعليق على مصابهم والتعبير عن حزنهم إلا أن مثل هذه الإشاعة وجدت تفاعلاً في مواقع التواصل الاجتماعي درجة أن البعض سلم بها كجزء من الواقع.